أحمد متولي يكتب: النهاردة الفرح.. و"الساحر" هو العريس

تشهد دار الأوبرا المصرية، مساء اليوم، عرسًا فنيًا حاشدًا باستقبالها الدورة الـ38 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، والتي يشارك فيها حوالي 270 فنانًا من أكثر من 60 دولة لنقول للعالم أجمع أن مصر بلد الأمن والأمان والاستقرار، وسط توقعات بتسليط إعلامي كبير على هذه الدورة الاستثنائية التى تشهد عدد من المناسبات الهامة أبرزها إهداء هذه الدورة لروح "الساحر" محمود عبد العزيز، عريس تلك الدورة بلا منازع، والذى رحل عن عالمنا منذ يومين بعد صراع طويل مع المرض، فى مشهد مأسوي على الوسط الفني الذى سيفتقده وسيفتقد فنه إلى الأبد.

هذه الدورة تشهد أيضًا الاحتفال بمرور 400 عام على وفاة الكاتب العالمي شكسبير، وتشهد تكريم خاص للمخرج الكبير محمد خان الذى رحل قبل المشاركة بنفسه فى فاعليات المهرجان، كما تشهد ولأول مرة هذه الدورة تكريم النجم يحيي الفخراني فى المهرجان، وسيتم منح  جائزة فاتن حمامة للتميز لثلاث شخصيات مميزة أبرزهم النجم أحمد حلمى، بالإضافة إلى أن السينما الصينية ستكون هى ضيف شرف المهرجان فى هذه الدورة.

حفل افتتاح فاعليات مهرجان القاهرة السينمائي الليلة سيكتسي بالسواد حزنًا على رحيل فنان عبقري بحجم "الساحر" محمود عبدالعزيز، ذلك الفنان الذى جلست معه مرة واحدة فى كواليس أحد أعماله عقب ثورة 25 يناير، وحضرت له تكريمه فى مهرجان المسرح العربي في دورته 32، بأكاديمية الفنون منذ عامين، وفى كلا المرتين زادت أسهم حبه فى قلبي لأنه على المستوى الفني مجرد إنسان بدرجة (بني آدم بسيط جدًا وابن نكتة) مهموم بوطنه وبفنه، ويفضل الانعزال بعيدًا عن الأضواء، فهو شخصية قليلة الظهور الإعلامي، خجولًا للدرجة التى تجعلك تسأل نفسك فى صمت وهو يقف أمامك (هل هذا هو النجم محمود عبدالعزيز غول التمثيل وساحر السينما المصرية؟).

أتذكر موقفًا طريفًا قاله "الساحر" فى تكريمه بأكاديمية الفنون وكان يقف بجواره وقتها الفنان أشرف زكي نقيب الممثلين على المسرح، قال (إنه ممثل من منازلهم)، ووقتها أستغرب الحضور يعني إيه (ممثل من منازلهم)، ليفاجئ الجميع بالقول أن عشقه للتمثيل جعله يُعلم نفسه بنفسه تقمص الشخصيات وإجادتها بدون معلم وبدون دراسة لأنه كان يدرس وقتها بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية، وهو ما جعله بعيدًا عن منبع الفنون فى القاهرة داخل أكاديمية الفنون، وهذا يُعد نمودجًا لكل فنان شاب يدفعه طموحه للنجاح والتألق اعتمادًا على موهبته.

رغم نجومية "الساحر" الطاغية وتكريم واحتفاء المهرجانات العالمية به؛ إلا أنه لم يخجل يومًا بأنه فنان وممثل من منازلهم، كان الحظ حليفه طوال الوقت بسبب سعيه الدائم فى الاجتهاد وتطوير الشخصية التى يجسدها فى أعماله الفنية؛ فلعب كل الأدوار وأبهرنا فى كل مرة بشخصيته التي يقدمها، فمن منا لا يتذكر شخصياته فى أفلام (الكيف، الكيت كات "الشيخ حسني"، الساحر، الشقة من حق الزوجة، إبراهيم الأبيض، وأخيرًا راس الغول).

سأنتظر الليلة حتى أشاهد تكريمًا يليق بفنان كبير بحجم "الساحر" داخل أهم وأقدم المهرجانات السينمائية فى الشرق الأوسط، بكل تأكيد لن يخطف نظري مشاهد الحزن التى ستخيم بكل تأكيد على أسرته أو يسرا أو إلهام شاهين أصدقاءه المقربين الذين سيحضرون افتتاح المهرجان - وإن كان فى الغالب سيتغيبا عن المهرجان لإخفاء حزنهما عن الإعلام، ولكن ما يشغلني حاليًا هو أن أجد تكريمًا يليق بفنان مبدع رحل بعد تقديم أعمال خدمت المجتمع المصري، كما أنتظر قرارًا من وزير الثقافة بأن يطلق أسمه على صرح فني سواء فى القاهرة أو الإسكندرية مسقط رأسه حتي يتم تخليد اسمه بالشكل اللائق بتاريخه.

انتهز هذه المساحة لأشيد بإدارة المهرجان هذا العام بعدما سمحت بخروج عروض أفلام المهرجان من سور دار الأوبرا المصرية إلى دور عرض وسط البلد السينمائية للتأكيد على أن بلدنا مصر آمنة ومستقرة، بالإضافة إلى استخدام المهرجان هذه الدورة تطبيق الكتروني على الهواتف الذكية لتسهيل المهمة على الجمهور فى متابعة أخبار المهرجان أول بأول وحجز تذاكر الأفلام بسهولة مطلقة والتعرف على خريطة ومواقيت عروض هذه الأفلام.

أتمني أن يخرج تنظيم المهرجان بشكل يليق بمصر والفن المصري لنؤكد للعالم أننا دولة تحترم فنها وفنانيها، وقرارًا عادلًا من وزير الثقافة يخص تكريم "الساحر" بإطلاق اسمه على مشروع ثقافي – فني هام لنقول أيضًا للعالم أننا دولة تكرم نجومها الذين أخلصوا لها وساهموا فى تشكيل وجدان شعوبها.

للتواصل مع الكاتب: Ahmed Ramadan