عبده الزراع: أدب الأطفال يشهد طفرة تكنولوجية هائلة.. وأطالب وزيرة الثقافة بعودة مهرجان "سينما الطفل" (حوار)

* مسرح الطفل أهم انجازات القرن العشرين لأنه أكثر تأثيرًا في عقلية ومخيلة الجيل الجديد  

* صحافة الطفل في مصر تكاد تختفي تمامًا.. والمجلات لم يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة بقليل

* أتمنى عودة معرض كتب الأطفال كما كان فى السابق ودعم الدولة لكتاب الطفل بعدما زاد سعره

* قصور الثقافة هي الجهة الأكثر فاعلية في مجال ثقافة وفنون الطفل لتشعبها في كل المحافظات

* الموظف الغير مؤهل في قصور الثقافة هو نكبة على الهيئة وأطالب بإعادة تأهيله  

* أعد لعمل مسرحي كبير للأطفال وكتاب مهم في الثقافة الشعبية أوشكت على الانتهاء منه

يعد الشاعر والكاتب عبده زراع، رئيس شعبة أدب الطفل باتحاد الكتاب‏ و‏عضو لجنة ثقافة الطفل بالمجلس الأعلى للثقافة‏، واحدًا من أهم أبناء جيله الأدباء الذين يحاربون من أجل دعم الأطفال ثقافيًا وفنيًا، ويحرص دائمًا من خلال أعماله على خلق حراك فكري توعوي يساعد على خلق جيل جديد من الشباب المبدعين؛ ففي الوقت الذي تزخر فيه المكتبات العالمية بكتب لأدب الأطفال وتنمية ثقافة النشء الجديد وتشكيل وعيهم ومداركهم نجد أن العالم العربي بشكل عام ومصر بشكل خاص يشهدان حالة أشبه بحالة ركود في حركة أدب الطفل بعدما تراجعت نسب القراءة بشكل كبير رغم التطور التكنولوجي الذي وصلنا له في 2020 من خلال المنصات العنكبوتية الثقافية المختلفة.

"الفجر الفني" حاور الأديب الكبير عبده زراع، عن سر هذا التراجع في ظل التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم وتفسيره لذلك، وكيف تدعم الدولة الأطفال ثقافيًا من وجهة نظره لمحاربة قوى الظلام والتخلف والرجعية، وكيف يعود الدور الريادي لصحافة الطفل بالجرائد والمواقع الالكترونية مرة أخرى، وما هو الدور المنتظر من صناع الفن في حركة أدب الأطفال؟

وإلى نص الحوار،،   

* في البداية.. هل ترى أن الطفل المصري مظلوم ثقافيًا بقلة الأعمال التي تقدم له في الوقت الحالي؟

طفل اليوم ليس مظلوما ثقافيا لما يملكه من ميديا كثيرة ومتنوعة، يستطيع من خلالها أن يدخل إلى المواقع الالكترونية المختلفة، ويطلع على ثقافات متعددة تتفق وميوله، وارى أنه رغم مستوى القراءة قد تراجع بشكل لافت خاصة في الكتب المطبوعة؛ إلا أن هناك رواج في طباعة كتب الأطفال من خلال دور النشر المصرية والعربية، وهناك شبه منافسة بين هذه الدور من أجل الحصول على الجوائز الكبرى في مجال أدب الطفل، مثل جائزة الشيخ زايد في الإمارات العربية، وجائزة الدولة لأدب الطفل في قطر، وجائزة أولاد هزاع، وجائزة الشارقة لأدب الطفل وغيرها من الجوائز، وتظل دور النشر الحكومية هي الأكثر إنتاجية لكتاب الطفل مثل هيئة الكتاب، وهيئة قصور الثقافة، ومركز ثقافة الطفل، ودار المعارف، لأن الكتاب مدعم بشكل كبير، ورغم ذلك نطمع في المزيد من الدعم من أجل تثقيف أولادنا، لذا المنتج الذي يقدم للطفل كثير سواء من خلال الكتب والمجلات المنشورة أو من خلال الميديا.

* في ظل التطور التكنولوجي الرهيب الذي يشهده العالم.. كيف نستقطب الأطفال لتوعية ثقافتهم وتنوير أفكارهم بطرق أخرى تحل محل الكتاب الورقي؟ 

بلا شك المستقبل للتكنولوجيا على حساب الكتاب والمجلة الورقية، لأن طبيعة الحياة المتسارعة تحتم على الفرد والمجتمع أن يتطور بتطور العالم من حوله، بالمواقع الالكترونية والمجلات التفاعلية المنتشرة بكثرة على الشبكة العنكبوتية هي الأكثر جذبا لطفل اليوم، ولابد وأن تعي جميع المؤسسات التى تعمل فى مجال أدب وثقافة الطفل وتصدر مطبوعات خاصة بهم، ضرورة أن يكون لديها مواقع إلكترونية تعيد نشر ما نشرته ورقيا عليها بجانب أن يكون هناك بعض القصص والألعاب التفاعلية لجذب هؤلاء الأطفال، وارى أن القائم على صناعة كتاب ومجلة الطفل يدخل الآن في منافسة كبرى مع هذه الميديا، ولابد وأن يطور أدواته لتواكب الجيل الجديد.

* ماذا ينقص وزارة الثقافة للاهتمام بالأطفال وثقافتهم من وجهة نظرك؟

للأمانة الشديدة وزارة الثقافة يوجد بها اهتمام كبير بأدب وثقافة وفنون الطفل، من خلال قطاعات الوزارة المختلفة بالمجلس الأعلى للثقافة يوجد به لجنة ثقافة الطفل، وهى المنوطة بوضع الاستراتجيات الخاصة بثقافة الطفل، هيئة الكتاب يوجد بها العديد من سلاسل كتب الأطفال علاوة على الأنشطة والفعاليات الخاصة بثقافة الطفل فى معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهيئة قصور الثقافة لديها قصور متخصصة للأطفال في القاهرة والأقاليم، وإدارة عامة لثقافة الطفل تقوم بالعديد من الأنشطة الثقافية والفنية والمسابقات ومسرح الطفل، وتصدر مجلة وكتاب قطر الندى للأطفال، والمركز القومي لثقافة الطفل، يقوم أيضا بالعديد من الأنشطة الثقافية من محاضرات وندوات ومسابقات بجانب الأنشطة الفنية من الأراجوز والساحر والعروض المسرحية، وقطاع الفنون الشعبية لدية فرقة مسرحية تحت ١٨ تقدم عروضا مسرحية للأطفال، ودار الأوبرا المصرية لديها كورال سليم سحاب للأطفال، وهيئة المسرح لديها مسرح العرائس والمسرح القومي للأطفال يقدمان عروضا مسرحية للأطفال، وافتتح هذا العام معهد فنون الطفل التابع لأكاديمية الفنون، وهذا حدث مهم، إذن وزارة الثقافة تقوم بدور كبير وفاعل، فقط نطالب وزيرة الثقافة الدكتورة الفنانة إيناس عبد الدايم، بعودة المهرجان الدولى لسينما الطفل مرة أخرى كما وعدت من قبل، وعودة معرض كتب الأطفال كما كان فى السابق، ودعم كتاب الطفل بعدما زاد سعره من سبعة جنيهات إلى سبعة وعشرون جنيها للنسخة الواحدة وهذا فوق طاقة الأسر المصرية الفقيرة والمتعطشة للثقافة.

* وكيف ترى دور قصور الثقافة في تربية النشء الجديد أمام البلطجة ومشاهد العنف التي يشاهدونها أمام شاشات التلفزيون؟

أرى أن هيئة قصور الثقافة من أهم قطاعات وزارة الثقافة إن لم يكن أهمها على الإطلاق لأنه جهاز يتمدد في كل ربوع مصر من خلال القصور والبيوت والمكتبات وله تأثير قوى على تشكيل وعى المجتمع بشرائحه المختلفة، وخاصة الطفل من خلال ما يقدم له من ثقافة وفنون، وإن كنت أرى أن المسرح هو الفن الأكثر تأثيرا في عقل ومخيلة الطفل، فهو أهم انجازات القرن العشرين، إذن هيئة قصور الثقافة غنية بمواقعها وإمكانياتها الكبيرة حيث تقدم الندوات وورش الحكى والكتابة والرسم، والموسيقى، والعروض المسرحية، ونوادي السينما والكورال، أنشطة كثيرة ومتنوعة، فقط يبقى المسؤول عن القصر أو البيت أو المكتبة أن يكون مؤهلا لهذا العمل، ومحبا له، ومؤمنا برسالته فى تغيير المجتمع، وبما أنني أحد أبناء هذه المؤسسة وكنت مديرًا عامًا لأكثر من محافظة، أجد أن الموظف الغير مؤهل هو نكبة هذه الهيئة، فلا بد من رفع كفاءة هؤلاء الموظفون من خلال التدريب المستمر، ومن لم يرغب فى تطوير نفسه يترك مكانه لم يرغب حتى ننهض بهذا الجهاز المهم، أنا أرى للأمانة أن قصور الثقافة هي الأكثر فاعلية في مجال ثقافة وفنون الطفل، لذا فهي تقوم بدورها كقوة ناعمة مؤثرة على هؤلاء الأطفال.

* هل يختلف أدب الطفل عن غيره من الآداب؟ وأين تكمن صعوبته من وجهة نظرك؟

ينطبق على أدب الطفل ما ينطبق فنيا على أدب الكبار اللهم أنه أدب موجه للأطفال، يحب أن يتسم بسمات الجودة والجدة، إلا أنه أصعب في الكتابة والتناول فأدب الطفل يحتاج إلى كاتب موهوب موهبة استثنائية، ومحبا لهذا الأدب، وأن يكون من المتعاملين مع الأطفال من خلال الندوات، ورش الكتابة وورش الحكى، وأن يقرأ كثيرًا فى علم نفس الطفل والتربية؛ بل ويكون عالمًا بالمراحل العمرية المختلفة والخصائص الفنية لكل مرحلة، علاوة على اطلاعه على أدب الطفل العالمي والعربي والمصري، وعيون التراث العربي والشعبي إذن فهي كتابة تحتاج جهدا كبيرا من الكاتب حتى يصير متميزا ببن أقرانه من الكتاب.

* حدثنا عن دورك كرئيس شعبة أدب الطفل باتحاد الكتاب‏؟

شعبة أدب الأطفال هي إحدى أهم شعب ولجان النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، ودورها إقامة فعاليات على مدار العام خاصة بأدب وثقافة الطفل، وكل أعضاء الاتحاد ممن يكتبون أدبا للأطفال هم بالتبعية أعضاء في هذه الشعبة، ومن حقهم حضور الفعاليات والأنشطة التي تقيمها الشعبة من ندوات وحلقات نقاشية، ومؤتمرات، وقد أقامت الشعبة فى ديسمبر الماضي ٢٠١٩ مؤتمرها السنوي تحت عنوان: (مسرح الطفل والتنمية في عالم متغير) شارك فيه عدد كبير من الباحثين وكتاب الأطفال، بأبحاث متميزة، تم عرضها ومناقشتها على مدار كامل، وطرحت من خلالها قضايا غاية في الأهمية، تخص المسرح المدرسي، والمسرح التوعوى، ومسرح الدولة، والتجارب المسرحية، ورأس المؤتمر الكاتبة فاطمة المعدول، وكرم المؤتمر كل من د. كمال الدين حسين، ود. عمرو دوارة، ورئيس المؤتمر، واهدينا الدورة لكاتب الأطفال الراحل نادر أبو الفتوح، وخرج المؤتمر بعدد مهم من التوصيات.

* وما هي أهم المشاريع الثقافية التي تعمل عليها لخروجها للنور الفترة المقبلة؟ 

لدي العديد من المشاريع الثقافية التي أتمنى أن أنجزها في الفترة القادمة؛ هناك عمل مسرحي كبير للأطفال أعد له الآن، وكتاب مهم في الثقافة الشعبية قربت على الانتهاء منه، وكتاب نقد في مجال شعر العامية المصرية أوشكت أيضا على الانتهاء منه، علاوة على أكثر من كتاب للأطفال.

* الكثير لا يعرف أنك عضو منتصب لنقابة الصحفيين؛ إذا كيف ترى وضعية صحافة الطفل في مصر خلال الوقت الحالي؟

صحافة الطفل في مصر تكاد تختفي من الصحف تمامًا، ومن الصحف التي اهتمت بذلك كانت جريدة الأهرام يكتب فيها الكاتب الكبير يعقوب الشاروني مقالًا يوميًا وتوقف هذا المقال، وكانت الكاتبة نعم الباز تكتب في الأخبار ركن الأطفال، والكاتبة فاطمة المعدول تكتب في الوفد، اختفت معظم هذه الزوايا من الصحف، وكانت أخبار اليوم لفترة قريبة تقدم ملحقًا أسبوعيًا للأطفال تابع لمجلة فارس توقف عن الصدور، أما مجلات الأطفال في مصر رغم جودتها الطباعية وجمال إخراجها إلا أنني أرى أنها قليلة نظرًا لعدد أطفال مصر الذي يصل إلى أربعين مليون طفلا يحتاجون لأضعاف المجلات الموجودة؛ فالمجلات تتجاوز أصابع اليد الواحدة بقليل، والمجلات هي: قطر الندى، علاء الدين، فارس، نور، سمير، ميكى، خطوة وهى مجلة بحثية ولكنها تنشر كل عدد يصدر منها قصيدة وقصة فى مطوية، أما صحافة الطفل العربية فهي قليلة أيضا بعدما توقفت عدد من هذه المجلات والتي كان لها تواجدًا كبيرًا مثل مجلة أحمد اللبنانية، وباسم السعودية، ومجلتي العراقية، وفراس الأردنية، وغيرها، فى حين أننا نريد المزيد والمزيد من مجلات الأطفال، فلا يصدر عربيًا الآن سوى، مجلات: (ماجد، العربي الصغير، عرفان، براعم الإيمان) عدد قليل جدًا، إذن أرى أنه لابد من الاهتمام بصحافة الطفل من خلال الصحف، وإصدار المزيد من المجلات الخاصة بهم حتى ننهض بالطفل المصري والعربي.

* كمتخصص في مجال أدب الأطفال.. ماذا تقول لصناع الفن؟

أقول لصناع هذا الفن عليكم مسؤولية كبيرة تجاه أطفال هذا الوطن، ستسألون عنها أمام الله، فابذلوا قصارى جهدكم لإنتاج كل ما هو مفيد ونافع للطفل سواء كان نص مكتوب، أو عرض مسرحي، أو مقطوعة موسيقية، أو فيلم سينمائي أو أغنية، أو حتى رقصة بالية.. هذا المجال يحتاج كل مخلص ومحب لوطنه.. أبدعوا ولا تتوقفوا عن الإبداع حتى نستطيع أن نقضى على قوى الظلام والتخلف والرجعية.