أيام قرطاج السينمائية.. نصف قرن من العطاء ولا يزال للفن السابع بقية
افتتحت بالعاصمة التونسية مساء الجمعة أيام قرطاج السينمائية التي تطفأ هذا العام شمعتها الخمسون، يميزها حضور عربي وأفريقي وسيكون فيها تكريم للمتوجين بالتانيت الذهبي على مدار نصف قرن. هذه التظاهرة التي ولدت في خضم مرحلة بناء ما بعد الاستقلال التي عرفتها تونس عام 1966 رافقت ولادة وتطوّر السينما التونسية وسيكون لها حديث اليوم عما حققته في مجال الفن السابع بعيدا عن صور الإرهاب وحالة الطوارئ التي تعيش على ظلها البلاد منذ 2015.
تعيش العاصمة تونس، اعتبارا من الجمعة ولغاية
الـ5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل على وقع أيام قرطاج السينمائية التي بدأت رحلتها قبل
نصف قرن وتطفأ شمعتها الخمسون هذا العام.
هذه التظاهرة التي تعد الأكبر سينمائيا
في تونس والأقدم في القارة الأفريقية، صارت سنوية منذ 2014، ووحدها يمثّل تاريخها تاريخ
السينما في البلد الذي بعثت فيه عام 1966.
حفل الافتتاح الذي حضره بقاعة المؤتمرات
أعضاء من الحكومة التونسية والسفير الفرنسي كان فرصة للتذكير بما أنجزته هذه الأيام
في خدمة السينما التونسية والتعريف بها في الخارج.
ويتنافس في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة
في هذه الدورة السابعة والعشرون، 18 فيلما، أربع منها تونسية وهي "زينب تكره الثلج"
لكوثر بن هنية، و "تالة مون أمور" لمهدي هميلي، "شوف" لكريم دريدي
وفيلم "غدوى خير" للطفي عاشور. كما تشارك فلسطين لأول مرة بفيلمين هما
"3000 ليلة" لمي المصري والمدينة لعمر الشرقاوي.
كما تشهد الأقسام الموازية تقديما لبانوراما
عن السينما التونسية ونظرات على سينما العالم، وأخرى عن السينما الأسيوية والروسية
وصور عفوية من أفريقيا وسينما مباشرة ستتضمن عرض أربع أفلام فرنسية قديمة ( فيلمي حوادث
متفرّقة والتلبس لريمون دوباردون، إخبارية الصيف لجان روش وادقار موتان وأنا الأسود
لجان روش).
بناء تونس العصرية
إبراهيم اللطيف الذي تولى إدارة هذه الأيام
يقول بأن أيام قرطاج السينمائية "لعبت دورا كبيرا في بناء تونس العصرية وساهمت
بشكل كبير في دعم المواهب الشابة وتطوير الذائقة السينمائية عند الجمهور التونسي ملتزمة
بهموم المجتمع التونسي والعربي والإفريقي" مؤكدا بأنها "صارت الموعد الذي
تحولت فيه الأفلام إلى مرآة تعكس اهتمامات المخرجين، والفضاء الذي يجمع صناع السينما
ويفضي إلى اتفاقيات مهمة بين مختلف الفاعلين فيها".
وكرمت الخمسينية هذا العام الناقد والمخرج
السينمائي فريد بوغدير على عطاءه في مجال السينما، حيث عايش الأيام السينمائية منذ
ولادتها قبل نصف قرن وتمكن بنظرة سينمائية، وبأسلوب هزلي أحيانا وبلغة شاعرية أحيانا
أخرى من نسج واقع يعيشه التونسيون وقد لا ينتبهون إلى جمالياته.
فريد بوغدير الذي سيعرض فيلمه الأخير
"زيزو" على هامش الأيام السينمائية، وهو قصة شاب تونسي يعيش البطالة فيهجر
قريته الصحراوية لينتقل إلى العاصمة بحثا عن عمل ليصدم بواقع مليء بالتناقضات، حيث
يعايش الفقراء والأغنياء، المحافظين والعلمانيين، مساندي النظام المستبد والإسلاميين
المتعصبين...في صورة صريحة لواقع تونس اليوم وما شهدته من تغيرات أحدثتها الثورة والحكومات
المتعاقبة على الحكم.
المخرج فريد بوغدير
واعتبر بوغدير هذا التكريم في تصريح لفرانس24،
بأنه " تكريم لعطاء رجل لم يكتف بتقديم وعرض أفلامه خلال المهرجان ولكنه شارك
كذلك في تنظيمه منذ الأيام الأولى لولادته، من أجل تكوين هيكل للسينما التونسية والمغاربية
والأفريقية"
ويضيف بوغدير بأن أيام قرطاج السينمائية
" كانت في البداية تحدي من قبل مؤسسها الطاهر شريعة لأنه خلق مهرجانا مخصصا للسينما
الأفريقية والعربية في نفس الوقت، كان حالما لأنه أراد أن ينشأ حوارا بين الضفة الشمالية
لأفريقيا وجنوبها، كما تمكن من خلق جمهور سينمائي متمسك بسينما الإبداع المدافعة عن
الواقع الاجتماعي والثقافي وليس التجارية التي تأخذ النجوم والمشاهير عملتها الرئيسية".
"زهرة حلب" تفتتح الأيام السينمائية
اختير الفيلم التونسي "زهرة حلب"
للمخرج رضا الباهي لافتتاح أيام قرطاج السينمائية، في رسالة من القائمين عليها للشباب
التونسي الذي يعد الأول عددا الذي صدر الجهاديين نحو سوريا والعراق في السنوات الأخيرة.
ويحكي الفيلم قصة عائلة تونسية كثرت مثيلاتها
في المجتمع التونسي اليوم، انقطعت أوصالها عندما ضاع أحد أبناءها في مخالب الأصولية
والإرهاب ورمي به في جحيم الواقع السوري الذي لا يمت له بصلة.
وبين الأم المطلقة والمناضلة سلمى، التي
أدت بطولتها هند صبري العائدة إلى الساحة السينمائية التونسية بعد غياب دام سبع سنوات،
والأب الفنان هشام الذي يعيش الفن بتحدياته، يضيع ابنهما الوحيد مراد ( 17 سنة) في
دوامة المشاكل العائلية التي دفعت إلى الابتعاد عن الدراسة وكل ما يربطه بالمجتمع واللجوء
إلى مجموعة سلفية قبل اختفائه تماما والتحاقه بالجهاديين في سوريا.