طارق الشناوي يكتب: أحمد عيد نجم تنقصه الومضة!!
يبدو لي دائما أحمد عيد وكأنه يتحرك في الحياة الفنية بقدر لا ينكر من الخفوت، قد تصل إلى تخوم اللامبالاة، لا يعرف كيف يسوق نفسه أو يخاطب جمهوره، فهو ليس وجها إعلاميا يطل عليك في برامج مثلا ليشرح موقف أو يدافع عن اختيار فني أو حتى ليعلن للقاصي والداني أنه لايزال يتنفس، قد يغيب سنوات عن الشاشة بل وكل ((الميديا ))، ولا يشعر أن الخريطة الفنية تتغير وأيضا أمزجة الناس تنقلب، وأن عليه بين الحين والآخر أن يطمئن جمهوره أنه لايزال على العهد.
بدأ عيد المشوار بخطوات وأدوار صغيرة مثل ((حلق حوش)) لمحمد عبدالعزيز عام 97 ليصل بعدها بثلاث سنوات إلى فيلم هام واستثنائي وفارق بكل المقاييس ((فيلم ثقافي)) للكاتب والمخرج محمد أمين في أولى تجاربه، وكان معه أحمد رزق وفتحي عبدالوهاب، أنتج الفيلم بجرأة تحسب له سامي العدل، عندما دفع بثلاثة وجوه من الموهبين، وتمت المراهنة عليهم بعدها أكثر من مرة في البطولة المنفردة أو الثنائية أو الجماعية، إلا أن نجومية الشباك بالمعنى المباشر للكلمة لم تتحقق بمعناها المباشر لأى منهم، إلا أن كل منهم ظل لديه مساحة لا تنكر من الحضور.
أحمد عيد كان هدفا بعدها لأكثر من شركة إنتاج، حتى جاء الفيلم الأهم في مشواره ((ليلة سقوط بغداد)) في 2005 أيضا للكاتب والمخرج محمد أمين، وبرغم ما شاب الفيلم من غلظة في التعبير السينمائي إلا أنه ظل الأهم في مشوار عيد، وأيضا مشوار الموهوب محمد أمين الذي ابتعد مؤخرا ولا أدري لماذا؟.
عيد أحد فناني الجيل الذي ظهر بعد زلزال فيلم ((إسماعيلية رايح جاي)) الذي دفع بمحمد هنيدى للساحة كبطل ونجم شباك وتتابعت من بعده الأسماء، وكان عيد واحدا من توابع الزلزال الثاني ((لإسماعيلية))، إذا اعتبرنا أن التابع الأول كانت به أسماء علاء وادم وسعد وحلمي، كان الرهان على عيد كبطل منفرد في أفلام مثل (( انا مش معاهم)) و(( خليك في حالك)) و((رامي الاعتصامي ))، والفيلم الأخير تم تقديمه قبل عامين من أجبار مبارك على التنحي، في وقت تزايدت فيه الاعتصامات، وبرغم أن الفيلم كان يُقدم وجها ساخرا لمبدأ الاعتصام، إلا أنه يحسب له التقاطه مبكرا لتلك الفكرة، وبعد الثورة بعام واحد قدم ((حظ سعيد)) والذي كان يرى فيه أن مصر سوف تستمر حائرة سياسيا، ولهذا قدم في النهاية، لقطة لمصر بعد 30 عاماً من الآن، حيث نجد أن حسنى مبارك لايزال في المحكمة وقضية قتل المتظاهرين لاتزال يتداولها القضاء، بينما صور أبناء بطل الفيلم أحمد عيد على الحائط تتماهى مع الرسالة التي يتبناها الفيلم، وهى أن مصر ستظل تتنازعها ثلاثة اتجاهات، تيار الإخوان والسلفيين والليبراليين وهكذا ختار أسماء أبنائه الثلاثة في السيناريو لتوحى بذلك وهم بديع «اسم المرشد» محمد بديع، و«بكار» اسم المتحدث الرسمى للتيار السلفى نادر بكار، و«حمزاوى» اسم الناشط الليبرالى عمرو حمزاوى.
عيد واحدًا من شباب الفنانين الذين شاركوا في 25 يناير ومع الأيام الأولى وكانت له مداخلة تليفزيونية شهيرة كشف من خلالها تلاعب الإعلام وبرامج ((التوك شو)) في القفز والتنطيط على الحبلين، لهذا فإن تقديمه لفيلم يتناول الثورة لا يمكن اعتباره مثل عدد من النجوم لمجرد إبراء الذمة الثورية، ولكنه موقف اتخذه مبكراً وكان من الممكن لو لم تنجح الثورة أن يدفع الثمن.
كانت الثورة المصرية بعد 25 يناير أحد أهم المفردات التي يلعب عليها السينمائيين من أجل أن يصبحوا هم والجمهور على موجة واحدة، دائماً ما يتحرك السينمائي وفق الرهان على ما يريده الناس أو ما يعتقد أن الناس تريده.
بعد عام على الأكثر ومع تزايد إحباط الناس، صار التناول الدرامي للثورة محفوفا بالمخاطر، لا أتصور أن الجمهور الآن على الموجة، فهو يعيش في مأزق اقتصادي لا يمنحه هذا الترف، الطبقة المتوسطة المتآكلة والتي تشكل البنية التحتية والممول الحقيقي للفن السينمائي، تناضل من أجل الحياة فلا يعنيها التعبير عن الثورة، ولهذا فإن عيد بعد غياب نحو ثلاث سنوات، أراد من خلال الكاتب لؤي السيد أن يقدم نقدا للأوضاع المعيشية في مصر في التعليم والصحة والسلوك، فكانت فكرة ((ياباني أصلي)) أول إخراج لمحمود كريم والتي تتناول أب يتزوج يابانية وينجب طفلان تواءم تأخذهما الأم بعيدا إلى طوكيو بعد عام خوفا عليهما من تردي الأحوال المعيشية في مصر، ويبدأ عيد المشوار في المطالبة باسترداد طفليه، ومعه محاميه هشام إسماعيل الذي يعمل أيضا سائق تاكسي، ويهاجم السفارة اليابانية، في برنامج تليفزيوني لأنها لا تساعده في استرداد الطفلين برغم حصوله على حكم قضائي يمكنه من ذلك، وتتدخل السفارة لإعادتهما مقابل أن يكتب تعهدا يقضي بأن أي ضرر يلحق بابنيه يعودان إلى طوكيو مباشرة، ومع تدهور حال التعليم والصحة والنظافة في مصر يجد الأب أن اليابان هي الحل، الفيلم به كخط درامي شيء من ((عسل إسود)) لخالد مرعي، ((عسل)) كانت وجهته أمريكا بينما ((ياباني)) وجد أن عنوان الحضارة والرقي تجعله يتجه شرقا.
نقطة انطلاق موحية، حتى لو رأيناها تنويعة درامية على ((عسل إسود))، حيث إنها تتيح مساحات من الخيال، إلا أن ما يفتقده الفيلم أن يكمل الرؤية لنتعرف على شخصية البطل، وأن يملك القدرة على دخول مغامرة إبداعية لتقديم مواقف مغايرة للشائع والمتعارف عليه، ولكنه استسلم لفريق الصف الثاني من المضحكين الذي يتكون من محمد ثروت وإيمان السيد وهشام إسماعيل أملا في تحقيق عدد من القهقهات تعلن عن نفسها في الشباك، إلا أنني لم أعثر لها على أثر لها في دور العرض.
المخرج محمود كريم في أول تجاربه يقدم فيلم، ولكنه لا يجهد نفسه كثيرا في منحه التفاصيل الموحية بلغة سينمائية، ما يحسب له أنه أجاد مثلا توجيه الطفلين، ولكن على الجانب الآخر ترك أحمد عيد وكأنه يؤدي أيضا دور أحمد عيد، ولكن بلا حماس أو سخونة، يشعرني عيد هذه المرة أنه يمثل وكأنه يؤدي الواجب إللى عليه، يمتلك الجدية في الاختيار والبحث عن قضية يتحمس لها، وبعد ذلك ينتهي دوره رغم أنه كان ينبغي أن يبدأ.
لم أتعاطف كثيرا مع الحالة السينمائية في المجمل التي صاغ مفرداتها المخرج الشاب كريم، فهي تبدو في الكثير من تفاصيلها تنويعة على ما شاهدناه من قبل في التراث السينمائي، الفيلم أشبه بنقطة انطلاق وقف عندها المؤلف ولم يكمل، كما أن المخرج لم يهضمها فلم يمنحها رؤية سينمائية.
النجم في تلك المرحلة التي يعيشها عيد تُصبح لديه أكثر من مشكلة، أولا الميزانية التقديرية المرصودة للفيلم، حيث تتضاءل كثيرا، لأن المردود المتوقع لا يشجع على ضخ المزيد، وعليه مثلا لو فكر في السفر إلى اليابان لضرورة درامية أن يلغي تلك المشاهد توفيرا للنفقات، كما أنه سيواجه مشكلة في العثور على الفنانة التي تشاركه البطولة، وعليه أن يبحث عن أصحاب الأجور الأرخص، وطبعا بطلة الفيلم تشكل هذا العائق، خاصة أن القسط الأول من الفيلم كانت البطلة اليابانية ساكي تسو كاموتو ومن هنا جاءت الفرصة للوجه الجديد ندا موسى التي أراها في أكثر من عمل سابق، وجها مريحا وقادما في السينما والدراما، فهى تمتلك حضورا، رغم أن الدور لا يسمح بالكثير.
أحمد عيد يقف في مرحلة سينمائية تلعب فيها الأرقام دور البطولة، حيث إنها كثيرا ما تخذله، هو ليس نجما للشباك وبعد كل هذه التجارب والمحاولات لم يحقق تلك الومضة بينه وبين الناس، ولكن لماذا يشعرني في هذا الفيلم أنه يفتقد المزاج، وكأنه يتجرع الدور؟.
ربما قلص الإنتاج الكثير من طموحاته وأحلامه، ولكن عليه أن يتذكر تلك الحكمة ((إذا لم يجد الممثل ما يحب فعليه أن يُحب ما يمثل)) فلا هو أحب ولا هو مثل!!
نقلا عن المصري اليوم