طارق الشناوي يكتب: "القرد" بيتنطط و"الديك" بيهلفط!
عندما يقاس مردود الأفلام نظريا وعلى الورق، لاشك أن فيلم (( أخر ديك في مصر)) كان ينبغي أن يصعد للمركز الأول وبفارق شاسع عن الثاني (( القرد بيتكلم)) إلا أن عمليا الأمر لم يكن كذلك، ترنحت إيرادات(( الديك)) مع الحفلات الأولى، ولم تستطع نجومية محمد رمضان انقاذ فيلم آيل للسقوط جماهيريا، بالطبع تفوق (( القرد)) يعود في جزء منه إلى ضعف حالة (( الديك)) إلا أن هذه ليست كل الأسباب.
الشريط السينمائي
في (( القردبيتكلم)) لديه قدرة على الجذب، فهو أقرب إلى اتفاق بين الكاتب والمخرج بيتر
ميمي والجمهور، كأننا بصدد لعبة تعتمد على خفة اليد هذه هي لعبة (( الثلاث ورقات))
الشهيرة التي يمارسها عمرو واكد ،بينما شقيقة احمد الفيشاوي فهو قد تعلم ملكة أخرى
وهى تنويم الضحايا واكتشاف ما يخفونه من أسرار، ومن خلال ذلك يستطيع أن يلتقط رزقه،
يلتقي الشقيقان الصديقان بعد طول خصام، لتبدأ اللعبة الكبرى .
لم يكن يعيب المخرج
إطلاقا أن يذكر في التتر أن هناك ظلال من الفيلم الأمريكي (( الآن أنت تراني)) للمخرج
لويس ليتريرالذي عرض قبل نحو ثلاث سنوات، ولكن كعادة الكاتب والمخرج بيتر ميمي يعتبر
أنه صاحب التراث السينمائي وكل إنجازات من سبقوه مستباحة شرعيا، فعلها في فيلمه الأخير((
الهرم الرابع)) أيضا ،إلا أن هذا لا ينفي أبدا الحقيقة وهى أننا بصدد مخرج مهما كانت
عليه من ملاحظات، إلا أن لديه شيء هام ونادر أنها العصرية في الإيقاع والحفاظ على الجو
العام الملائم والمزاج النفسي الواحد للفيلم والانتقال في المونتاج بقدر لا ينكر من
الطرافة والقدرة على توليد الضحك وهى ليست كما يتصور البعض مجرد قفشات متلاحقة، فهو
لا يدفع ببطلي كوميديا ولكن ممثلين يقدمان للجمهور وجبة فنية مرحة، وهذا يعني أن المخرج
لديه عين تستطيع قيادة الممثل والحصول منه على أعلى درجات التعبير، هكذا شاهدت عمرو
واكد واحمد الفيشاوي وريهام حجاج وكذلك بيومي فؤاد في أروع حالتهم في الأداء الدرامي،
الفيلم على موجة هذا الجمهور فلا أتصور سوى أنه اقرب لما يُعرف بالأغنية الشبابية قبل
أن نطلق عليها تعبير أغاني المهرجانات، نجح المخرج في فك شفرة جمهوره.
الفيلم على المستوى
الاقتصادي يدخل في اطار السينما محدودةالتكاليف، فهو لا يتعامل مع نجوم شباك يتقاضون
الملايين ولكن مع نجمين كل منهما يملك موهبة التمثيل ولكن ليسا من نجوم الشباك على
الأقل حتى الان، ولهذا لا يشكلان عبئا اقتصاديا على الميزانية، وهو في الحقيقة توظيف
جيد لكلا الموهبتين أدى ولاشك إلى تحقيق اقبال جماهيري .
المخرج يدخل مع
المشاهد في مباراة للذكاء، وسعادة المتفرج تتحقق في اللحظة التي يخيب فيها توقعه، هزيمة
المشاهد تجعله راضي تماما عما دفعه ثمنا للتذكرة .
أنت من البداية
متعاطف مع أولاد القرداتي والفيلم بدأ بهذا المثل الشائع (( ما تخافش من القرد خاف
من خلفته)) انهما أبناء القرداتي الذي يلقي به في السجن أدى دوره محمود الجندي ولا
نراه سوى في اللقطات الأخيرة، بعد أن تمكن ولديه من الحصول على دليل براءته، ونكتشف
أنه كان متهما بجريمة إرهابية ولكنه برئ منها ويقرر ولديه إخراجه من السجن بتلك الوسيلة
وذلك عن طريق الاستعانة بعميد الشرطة الفاسد والمفصول ولكنه يحمل وثيقة براءة الاب،
ولا حظ ان وزارة الداخلية لم تعترض لتقديم عميد فاسد على اعتبار أنه دراميا مفصول من
الشرطة، ولهذا لم يصطدم الفيلم بالرقابة، البداية مع الشقيقين كل منهما يمارس النصب
بخط درامي متوازي، سرقة ساعة وموبايل وفلوس حتى يصلا لتلك الصفقة الكبرى مع العميد
الفاسد الذي أدى دوره سيد رجب بينما وزير الداخلية بيومي فؤاد، الذي يقدم من البداية
برؤية مليئة بخفة الظل،يؤكد رئيس الوزراء أن الأمن مستتب وذلك في اجتماع جماهيري يحضره
وزير الداخلية وعندما يستشهد به رئيس الوزراء لتأكيد ذلك نكتشف أنه قد تم استدعاؤه
بسبب جريمة اختطاف رهائن قام بها الساحرين واكد والفيشاوي، اللذان استطاعا أن يسيطرا
على السيرك لتبدأ المباراة التي يتبادل فيها الساحران اللعب على الجمهور، وكعادة هذه
الأفلام لن تجد دماء ولا عنف زائد ،تأخذ مثل هذه النوعيات الكثير من روح أفلام الكارتون
التي تتجاوز المنطق في عرض الحالة الدرامية، وهكذا تمضبط الجرعة، حتى في علاقة الفيشاوي
بأسود السيرك التي تخرج في توقيت صعب ومحدد لتزيد من سخونة اللعبة في العلاقة بين الشاشة
والجمهور، حيث يتحول هذا المشهد إلى حالة كوميدية فهو يحرص على تذكير الجمهور بأنه
يلاعبهم، وعندما تقترب الأحداث من النهاية يضيف لفيلمه حبكة فيلم ((لصوص ولكن ظرفاء
)) والفيلم المصري مضى على انتاجه خمسين عاما، مأخوذ عن رواية أمريكية (( الجريمة الضاحكة))،
كان من الممكن ان يذكر بيتر اسم الرواية الامريكية وليس الفيلم ولكن الفيلم القديم
الذي أخرجه إبراهيم لطيف ولعب بطولته عادل امام واحمد مظهر وشهد اخر ظهور للفنانة ماري
منيب لم يذكر في التترات أيضا مصدره الأجنبي، توليفة من هنا وهناك والغرض هو ان تلعب
حتى اللحظة الأخيرة مع وبالجمهور، طبعا إمكانيات الابهار البصري في الفيلم الأجنبي
(( الآن أنت تراني)) كانت تسمح بحالة إبداعية اكبر ولكن الفيلم المصري مقدم على طريقة
على قد لحافك، والجمهور المصري تعود من الواضح على ألا يمد لحافه اكثر من قدميه ولا
ينتظر ما هو اكثر فهو راضي بالمقسوم.
ولكن يبقى أن بيترميمي
من الممكن ان يقدم ماهو افضل انه امتداد لعدد من المخرجين لديهم قدرة على تقديم لغة
سينمائية عصرية حتى لو شابها لكنة أمريكية مثل طارق العريان وهادي الباجوريو تلك اللغة
بالضبط هي ما ينتظره جمهور هذه الأيام .
لدينا عناصر جيدة
مثل موسيقي سيف عريبي الذي اقرأ اسمه منتجا أيضا كما أن مونتاج عمرو عاكف حافظ على
ايقاع متدفق للفيلم، بالطبع كان الفيلم بحاجة إلى تقنية في المؤثرات البصرية والسمعية
تتوافق مع حالة الفيلم الذي يلعب بقانون السحر ولكن من الواضح ان سقف الميزانية وقف
حائلا دون الاستعانة بفريق ضخم ومكلف لصناعة تلك الحيل .
عشنا حالة خاصة
من الضحك على مقاس ومذاق الجمهور الذي احب اللعبة وأحب أبطاله وكانوا في حالة ألق عمرو
واكد واحمد الفيشاوي وريهام حجاج وبيومي فؤاد وسيد رجب يقدمون ادوارهم بحالة مزاجية
عالية.
ونلتقي قريبا في
تلك المساحة مع(( ديك)) رمضان الذي أراد البعض وكأنهم يترصدون له بسبب تعثره في دور
العرض، المسارعة باسدال الستار عن نجم شباك، هزيمة فيلم لا تعني بالضرورة نهاية نجم
،هذه قصة أخرى !!
المقال نقلا
عن "المصري اليوم"