في رسالة "يوم الكاتب العربي" حبيب الصايغ: أول الوعي الالتزام
وجه الشاعر والكاتب الصحفي الإماراتي الكبير حبيب الصايغ، الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، رسالة إلى الأدباء والكتاب العرب، بمناسبة يوم الكاتب العربي، الذي اختاره الاتحاد العام؛ يوم الحادي عشر من ديسمبر/ كانون أول، من كل عام، الذي يوافق يوم غدٍ الثلاثاء، ذكرى ميلاد الكاتب العربي العالمي نجيب محفوظ.
وهذا نصها:
"أراد الاتحاد العام للأدباء والكتاب
العرب، حين خصص يوم ميلاد الكاتب العربي العالمي نجيب محفوظ يومًا للكاتب العربي، أن
يختصر في مجاز العنوان وحقيقته، أيام ميلاد أجيال الكتابة العربية في يوم له كل تلك
الرمزية وهذا البهاء.
الحادي عشر من ديسمبر/ كانون الأول، حيث
نجيب محفوظ يضيء الذاكرة بما قدم، وحيث أجيال الكتابة العربية في كل قطر عربي تنير
ليل المدلجين بما وهبت من مواهب وهبات. يوم الكاتب العربي، فلا بد من توجيه أخلص التهنئة
إلى الكتاب العرب على امتداد الوطن العربي الكبير، سائلي الله أن يمد في الأعمار، وأن
يديم على الجميع نعمة الصحة، نحو استمرار الأدوار المهمة والضرورية، لمن هم في الواقع
ضمائر أوطانهم والأمة.
الالتزام: هذه الكلمة السحرية، هي عنوان
هذه الرسالة التي أوجهها إلى الزملاء والأصدقاء في يومهم، وهي ليست دعوة من يعرف إلى
من لا يعرف، أو من يتذكر إلى من ينسى، وإنما القصد التأكيد على المؤكد، ومراكمة الأمل
على المأمول، حتى إذا شذ البعض، فإن كلمة الالتزام تظل قلب الكتابة الجديدة، المتطلعة
إلى غد الأوطان وإنسان الأوطان.
الالتزام الالتزام.. وإلا على الكتابة السلام..
نعم هذا هو العنوان الذي يتقدم الموكب، أو هكذا يفترض. الالتزام الذي ينسجم مع الفن
الجميل، ومع الاتقان، ومع الاختلاف والتغيير، فليكن الالتزام، بهذا المعنى، معيار كل
كتابة جديدة، كل قصة أو رواية أو قصيدة أو مسرحية أو دراسة نقدية. الالتزام هي الكلمة
التي تفتح مغاليق الإبداع، وتفتح أمام المهج الظمأى أفق معرفة الذات والآخر، فلا يصح
أن يكون الكاتب خارج الالتزام، لأنه يكون، عندئذ، خارج المعنى والحياة.
على الصعيد الفني، لا يعني الالتزام المباشرة
أو السطحية والاستسهال، كما أراد البعض أو يريد، وإنما ينبغي التمسك ومن دون شرط، بنقيض
هذه الفكرة. التزام الفن هو أول حرف في أبجدية الالتزام ، وكما أننا لا نكتب قصيدة
عصماء حين نكتب عن الشخص الذي نحب، فإننا لا نكتب قصيدة عصماء عن الوطن الذي نعشق.
الأصل أن نكتب في الحالتين، في الحالات كلها، قصيدة حقيقية.
الالتزام من بعد، هو الناقد الأسطوري، ذو
الكلمة الفصل، فطالما اكتشف الكتاب من ذوي المواهب الخالدة، وطالما عرف المتلقي، عبره
معدن ما يتلقى.
هكذا يقترن التزام الكاتب العربي تجاه نفسه
أولًا، ثم تجاه المجتمع والوطن والأمة، بالمسؤولية وهو يفكر أو يكتب أو ينشر، وبالمسؤولية
وهو يقدم نفسه، منفردًا أو ضمن جماعة الكتابة والأدب والإبداع، كإنسان منتم وواع بالانتماء.
والالتزام يعني أن يعبر الكاتب عن ذاته،
حتى في حالة العزلة، وضجيج الشوارع القريبة والبعيدة تملأ بصيرته، فلا يترفع أو يتكبر
وإن اختلطت بملامحه، بسبب من طبيعته وطبيعة الكتابة، ملامح الاعتداد. ليس المطلوب إقصاء
أو إلغاء الآخر، وليس المقصود إقصاء أو إلغاء الذات، فللكاتب أن "ينصهر"
في أهله ومجتمعه ووطنه وأمته، من دون أن يتلاشى وكأنه بخار الماء.
الكاتب العربي ضمير أمته العربية، لكنه
الضمير المتصل لا المنفصل، والظاهر لا المستتر.
وأول وعي الكاتب وعي الالتزام، أول وعيه
بذاته، وبالحب، والصداقة، والعمل، والتضحية، ووطنه، والقدس، وفلسطين.
فالتهنئة لكل كاتب عربي في يوم الكاتب العربي،
والتهنئة لكل كاتب ملتزم، حيث الالتزام ليس الشعار البراق يعلق على الصدور أو الجدران.
الالتزام طائر جناحه المعرفة، وفضاؤه الإبداع، وفضاؤه ناس القرى والمدن، ناس الأحلام
الصغيرة والكبيرة، ممن يعني لهم الكاتب، مازال يعني لهم الكاتب، الكثير".