طارق الشناوي يكتب: رأيت الله فى الكنيسة!!
ما كل هذا السحر الروحاني الذي ملأنى وأنا أحضر بين مئات عيد رأس السنة الميلادية فى كنيسة (قصر الدوبارة) وسط مدينة القاهرة، رأيت عمائم شيوخ وأحجبة نساء، بيت الله اتسع للجميع من كل الألوان والطوائف والأديان، إنها الطائفة الثالثة فى مصر من حيث العدد، يسبقها الأرثوذكس ثم الكاثوليك، بينما فى العالم يحل ترتيبهم ثانيا بعد الكاثوليك.
البروتستانت تحمل الكثير من التمرد على الطقوس الشكلية فى العبادة، وهو من الممكن أن تلحظه بشىء من الدقة فى واحد من أهم أفلام الألفية الثالثة فى السينما المصرية (بحب السيما) للمخرج أسامة فوزى وتأليف هانى فوزى. لو تأملت العلاقة بين الزوج الأرثوذكسى محمود حميدة والزوجة ليلى علوى، وهى فى الأصل بروتستانت، طبقا للشريعة المسيحية لا يجوز سوى أن يقام الزواج على نهج الأرثوذكس، ظلت الزوجة بداخلها الإحساس الدينى بمذاقه البروتستانتى، وهذا هو سر الخلاف حول السينما والتعاطى معها بين الأب وابنه.
إنها فروق ضئيلة بين الطوائف مثلما نلحظ مثلا ما هو بين السنة والشيعة، تلك التفاصيل الدقيقة.
عبر التاريخ تكتشف أن الحروب التى تقاتل فيها البشر، أصحاب الدين الواحد، أشد ضراوة من تلك التى كانت بين المختلفين دينيا. كلما نضج الإنسان روحيا- وتلك هى قناعة كاتب هذه السطور- يكتشف أنها كلها طرق مختلفة هدفها الوصول لله، عز وجل، ولا يعنى أبدا أن هذا صحيح ينفى عن الثانى أيضا أنه صحيح، وكما قال البابا فرنسيس بطريرك الكاثوليك (كل الأديان صحيحة طالما هى صحيحة فى قلوب من يؤمنون بها).
البروتستانت تمنح الموسيقى والغناء مساحة كبيرة، وفى الكنيسة الغربية هناك أيضا الرقص، الجسد يلعب دورا فى التواصل مع السماء، الآلات الموسيقية اورج وجيتار وعود وكمان، الكل يشارك فى تلك الألحان، التى تدخل مباشرة للقلب، فهى تبعث فى النفس السمو، لتعلو فوق متطلبات الجسد، كل الفنون تسعى لكى تحاكى الموسيقى، هكذا قال الفيلسوف شوبنهاور «كل الفنون حتى المرئى منها تريد أن تصبح أنغاما، سواء رأيتها على الشاشة الفضية أو داخل إطار اللوحة».
وهكذا يبدو التناقض بين الموسيقى والدين يحمل فى جانب كبير منه تزمتا غير مبرر، يخاصم روح الإنسان، مثل هؤلاء الذين باسم الإسلام أباحوا الآلات الإيقاعية، وحرموا الآلات الوترية، وبعضهم يحرم أساسا الموسيقى، بل أثناء محاولة الإخوان الفاشلة تغيير هوية مصر الوسطية، أتذكر أننى استمعت إلى ملحن ومطرب أراد كسب ود (الجماعة)، ادعى أن أغنية محمد فوزى (كلمنى طمنى) التى لا يستخدم فيها آلات موسيقية تعتبر نموذجا لما ينبغى أن تُصبح عليه الأغنيات فى الدولة الإسلامية، وأضاف أن تلك كانت قناعة فوزى عندما صاغ هذا اللحن العبقرى، وكلها فى الواقع تحليلات ساذجة، ما قدمه فوزى مشهد داخل فيلم (معجزة السماء)، خذلته فى اللحظات الأخيرة طبقا للأحداث، الفرقة الموسيقية فتحول (الكورال) إلى آلات تحاكى نفس النغمات.
عشت نحو ساعة ونصف الساعة من أنقى وأرق وأبهى الأوقات، إنهم أحفاد الفراعنة الذين كانوا فى طقوسهم الدينية يجمعون بين الموسيقى والرقص.
يغنون للمسيح وللوطن وللبشر. فى الشريعة المسيحية الحب للجميع، الضعيف قبل القوى، العدو قبل الصديق، (المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة).
نقلا عن المصري اليوم