انفراد لـ"الفجر الفني".. الصور التي أوصى طلعت زكريا بنشرها بعد وفاته
لم أكن أدرى أنها المرة الأخيرة التي اسمع فيها صوته الذى جاء مرهقا كثيراً، لذا بادرته قبل أن نتبادل السلام، فيه ايه .. أنت مريض؟ خرجت نبرات صوته تتهادى محاولا الثبات، لا والله أنا زى الفل.
تبادلت الحديث مع النجم طلعت زكريا فى الأول
من شهر سبتمبر الماضى، اى قبل وفاته بأسابيع قليلة واتفقنا على لقاء فى منزله بحى دريم
بمدينة 6 أكتوبر لانه غادر فيلته بمنطقة حدائق الأهرام وكنت قد التقيته فيها أكثر من
مرة بشكل شخصى لعلاقة الصداقة والإخوة التى جمعتنا طيلة خمسة عشر عاما، وفى معرض حديثه
معى، ابلغنى بكلمات غارقة فى السعادة والعاطفة البالغة ان أميمة ابنته تشارك فى بطولة
فيلم باسم "الموقف" وهو يظهر كضيف شرف إكراما لها حيث يجسد شخصية رجل صعيدى
من المترددين على "الموقف"، وهو الخبر الذى نشرته ممهوراً بأسمى فى موقع
"خبر أبيض".
انتهت المكالمة باتفاق على لقاء يجمعنا
بعد احتفالات أكتوبر حتى يطمئن على زفاف الفنانة هنا الزاهد فى منتصف سبتمبر وهى التى
يعتبرها ابنته، وحتى انتهى انا أيضا من متابعة وخروج كتاب جديد لى، ولكن للأسف لم يتم
هذا اللقاء وكان البديل خبر على هاتفى المحمول من أحد مواقع الصحافة الالكترونية يعلن
وفاة طلعت زكريا، اعجز عن وصف الزلزال الذى أصاب وجدانى، هزة عنيفة ذبحت قلبى لفراق
رجل عبارة عن قلب كبير يسكنه الجميع، رجل ابن بلد، جدع لم ولن يحمل ضغينة يوماً لأحد
حتى من ظلموه، إنسان كان يمارس العطاء فى أبهى معانيه تجاه كل المقربين منه، طلعت زكريا
صاحب الموقف الثابت الذى لم يتغير رغم خسائره التى وصلت للاضطهاد المهني والتحرش السياسي.
قبل فترة ليست بالطويلة جمعتني أكثر اللقاءات
وداً وصدقاً مع صديقى الراحل فى منزله بحدائق الأهرام، وكالعادة عند دخولى من الباب
المجاور لحمام السباحة الصغير أقف أمام صورته الشهيرة مع مبارك رئيس مصر السابق وأمازحه
وكان كعادته أيضا يبتسم ويرد بنفس الرد "مبارك حبيبى، يا اخى دا الكلب مبينساش
المعروف عايزنى انسى واحد من أبطال مصر وربنا سببهولى بعد ما كنت على سرير فى اوضة
ضلمة فى فرنسا وأمر انى ارجع مصر بطيارة خاصة وعالجنى، ربنا يخليه ويديله الصحة".
بعدها تبادلنا الحديث فى عدة موضوعات عامة
خاصة وكان أبرزها حلمه بفيلم "حارس الرئيس" وإشادته بنصيحتى له حينما قلت
له لا تقدم على مشروع الكافية "قهوة بلدى" والذى افتتحه فى منطقة المهندسين
وأغلقه بعد اقل من عام وتعرض لخسائر متوسطة ولكنه كان يريد مصدر أخر بعدما ضاقت به
سبل الفن عن قصد وبسبق إصرار وترصد.
نهض زكريا وأتى بحقيبة بها مجموعة من صوره
القديمة ويستعرض أحداثها بخفة ظله المعهودة وأثناء ذلك خطفت بشكل عشوائى بعض الصور
من يده وأسرعت بشكل نحو الباب للانصراف، كل هذا وطلعت يجلس فى صمت ينظر فى دهشة بالغة
الى ان قلت: الصور دى للنشر وهاعمل لك بهم زفة فى الجورنال واخلى الناس تشوفك وأنت
طفل وصورة الخطوبة فما كان منه الا ان ارتمى على "الكنبة" وانفجر من الضحك
وهو يكرر: نسيت انك صحفى، فاتت عليا دى ودخل فى نوبة ضجك اخرى أصابت أوداجه بالاحمرار
الشديد، وقال: والله ما هاينفع، قلت له مش هاتاخدهم تانى، انسى ، فحاول استدراجى ولكنى
كنت تمكنت من الصور فى قبضتى، وقلت له هاعمل نسخة واجيب لك الاصل، ولكنه فاجأنى بابتسامة
قائلاً: وحياة ولادك ما تنشر الصور دى، الا بعد ما اموت، حديثه افقد الموقف بهجته الى
حدا ما ولكنى اقتربت منه وانا مازلت اقبض على الصور ووضعت قبلة على رأسه: ربنا يخليك
ويطول عمرك يا حبيبى بس مش هاتاخد الصور بردو ، فعاد للضحك بهيستريا لفشل مراوغته لى.
كانت كلماته تقطر حب عن كل من تحدث عنهم
، وبعد ان اتفقنا على حصولى على الصور أشار لى لإحداهن قائلا : دى صورة خطوبتى على
صباح زوجتي الأولى أم أميمة وعمر ولها مكانة كبيرة وخاصة جوايا لانى تعبتها كتير وهى
شقيت واتحملت كتير، ثم اشار لمن تمسك " الشبكة " : دى بقى اختى عزة باعتبارها
امى بجد ، وأشار لصورة أخرى ساخرا من نفسه
دى بقى صورتى وانا عندى سنة ، مش عارف ايه السحنة دى ، وأشار لصورة ثالثة، دى
بقى اميمة وعمرو وهما اطفال، الصورة دى فى إسكندرية، اميمة دى أميرة قلبى وعمر ابنى
واخويا وصاحبى ربنا يوفقهم ويصلح حالهم.
رحل طلعت زكريا أحد أمراء البهجة فى العصر
الحديث، غادر قبل ان يعرف قدره فى قلوب المصريين والشعوب العربية، أردته يعود لدقائق
كى يطل على سرادق عزاؤه، وكيف قال له الجميع "نحبك يا طلعت ، سلام يا صاحبى، اشوفك
على خير هناك".