حكاية أغنية.. "يا مصطفى " منعها مجلس قيادة الثورة.. وهذا هو صاحب القصة
حكاية أغنية اليوم مع واحدة من أشهر الأغاني "فرانكو آراب"، غناها العديد من المطربين حول العالم وقت ظهورها، وهي "يا مصطفى يا مصطفى".
مصطفى الذي يتردد اسمه على 2 مليون اسطوانة منتشرة في جميع أنحاء العالم وقت عرضها من 60 عامًا قالوا إن اسمه مصطفى بابادوبلو، وقالوا إنه موظف بشركة البيبسي كولا، وقالوا إن الذي صنع قصة "يا مصطفى" هو جرسون يوناني في مطعم سانت لوتشيا.
وللبحث عن مؤلف كلمات الأغنية، وتبين أنه عازف الجيتار القصير الأعرج ليوناردو، كان يقيم في بيت قديم بحي العطارين.
قال مدير مطعم "سانت لوتشيا" إن عازف الجيتار الإيطالي ليوناردو وضع كلمات الأغنية منذ 10 سنوات عندما كان يعمل في هذا المحل، وأنه لم يكتب موسيقاها على نوتة ولم يؤلف كلماتها كما يفعل المؤلفون وإنما كان يقولها ارتجالًا ويرددها من باب الضحك والفرفشة كلما تردد "مصطفى" على المحل، و"مصطفى" كان في ذلك الوقت زبونًا دائمًا يتناول هو وأفراد شلته العشاء، وفي نهاية السهرة يتحزم بفوطة ثم يبدأ الرقص على أنغام هذه الكلمات وهي نفس كلمات أغنية بوب عزام.
قيلت فيه هذه الأغنية التي توزع بالملايين الآن في أوروبا كان موظفا في الإسكندرية ثم استقال أو فصل من وظيفته والتحق بوظيفة بشركة البيبسي كولا، وقد كان مصطفى يجيد الحديث والغناء باليونانية والإيطالية.
وكان الفنانون والجرسونات الأجانب يحبونه ويتبادلون معه الهزار والنكت لدرجة أنهم أطلقوا عليه هذا الاسم مصطفى بابادوبلو، وكان ليوناردو ومصطفى بابادبلو، يقيمان في حي واحد هو حي العطارين، وعندما ينتهي عازف الجيتار من عمله في آخر الليل كان مصطفى يدعوه ليركب معه عربة حنطور، ويظل ليوناردو يعزف له أغنيته حتى باب البيت.
ظهر جورج وديع عزام أو "بوب عزام" كأحد مطربي أغاني الفرانكو آراب في فترة الخمسينيات، وحينئذ قوبل هذا النوع من الغناء برفض شديد، لكن المطرب السكندري من أصل لبناني، سبح ضد التيار بغناء يمزج بين اللغتين العربية والإنكليزية، وألحان ذات إيقاعات غربية وشرقية، وحقق شهرته من خلال الحفلات الخاصة وأعراس الطبقة الراقية.
بعد سنوات التقى "عزام" بالفنان والموسيقار محمد فوزي، وتحمس الأخير لتلحين أغنية "يا مصطفى" ذات الطابع الفلكلوري الاستعراضي، وأراد طرحها في اسطوانات من خلال شركته الفنية الخاصة، لكنه فوجئ بمنعها بقرار من المصنفات الفنية، وتهاوت أحلام مطرب الفرانكو آراب في اتساع دائرة شهرته.
لم يتوقع بوب عزام أن تثير أغنيته هذه الضجة، وتمنعها الرقابة بزعم أن كلماتها ذات مغزى سياسي، وتشير إلى زعيم حزب الوفد وقتذاك مصطفى النحاس باشا، ومرور سبعة أعوام على ثورة يوليو 1952 وانتهاء العهد الملكي في مصر، وحينئذ كان الأديب الكبير نجيب محفوظ مدير التصنيفات والرقابة السينمائية، وربما كانت حيثيات منع هذه الأغنية، السبب الرئيس في استقالته عام 1961.
ورغم منع أغنية "يا مصطفى" من الإذاعة المصرية، ورفض طبعها على اسطوانات، انطلقت عام 1960 من خلال فيلم "الفانوس السحري" للمخرج فطين عبدالوهاب، وبطولة إسماعيل ياسين، وكريمان، وعبدالسلام النابلسي، وكانت أحد أسباب نجاح الفيلم، ليغنيها بوب عزام مُجددًا في فيلم "الحب كده" 1961 بطولة صباح، وصلاح ذو الفقار.
في ذلك الوقت، عرض التلفزيون المصري الفيلمين، واتسعت دائرة الانتشار لأغنية "يا مصطفى" وردد الجمهور كلماتها، لكنها ظلت ممنوعة من الطبع على اسطوانات.
واستشعر بوب عزام أن فن الفرانكو آراب، سيظل غريبًا رغم ارتباطه بالموسيقى الشرقية، وتناغمها مع الإيقاعات الغربية. بدت شهرة بوب عزام على حافة الهاوية، وعاد إلى الغناء في حفلات العرس وبعض الملاهي الليلية، وظل الجمهور يطلب منه أغنية "يا مصطفى"، ورأى أن هذا النجاح كوميض خاطف، سرعان ما سيخبو، إذا ظل ممنوعًا من دخول الإذاعة، وعدم الاعتراف بهذا اللون الغنائي، ولكن الأغنية الممنوعة كانت على موعد مع العالمية.
عندما اتصلت شركة إنتاج فرنسية بعزام، واتخذت الإجراءات القانونية لطبع "يا مصطفى" في باريس، وحققت شهرة مدوية، وطبعت منها آلاف الاسطوانات، واستثمرت الشركة هذا النجاح، بتقديمها بلغات مختلفة، وتسويقها في أرجاء أوروبا.
ظلت "يا مصطفى" مسجلة بصوت بوب عزام، ولكن بعد نجاحها الساحق، غناها مطربون كثيرون في فرنسا وإيطاليا وإنكلترا، واختيرت الأغنية ضمن أفضل عشرين أغنية عالمية، وترجمت إلى لغات عدة منها الأوردية والإسبانية والألمانية. وتزامن نجاح الأغنية مع هجرة بوب عزام إلى سويسرا، ثم قام بافتتاح ملهى ليلي هناك، كان يغني فيه، وظل الجمهور يطلب منه غناء "يا مصطفى"، حتى وفاته عام 2004.
أكد محمد فوزي، أنه مؤلف لحن الأغنية، وأن بوب عزام استولى على اللحن، وغيَّر فيه بعض عبارات بكلمات أخرى، وأقام دعوى قضائية ضد عزام يطالبه فيها بتعويض قيمته نصف مليون جنيه.
وأكد فوزي أن عزام لم ينسب لحن الأغنية إلى نفسه، لكنه عندما سئل في باريس عنها قال: "إنها من الفلكلور العربي، وانه لم يعرف لها مؤلفًا أو ملحنًا"! وحينئذ تحدث فوزي إلى الصحافة، وقال في تصريحات لصحيفة "أخبار اليوم" بتاريخ 23 أبريل 1960 إنه سجَّل هذا اللحن عندما كان يعمل في أحد الملاهي الليلية بالإسكندرية.
كما سجله بصوت المطرب برونو موري شقيق داليدا، وأذيع في البرنامج الأوروبي، وانه لم يكن يتصور أن هذه الأغنية ستنجح وتنتشر وتصبح من الألحان العالمية، ورجح أن يكون عزام سرق النوتة الموسيقية الخاصة باللحن من أحد عازفي البيانو في الكباريهات، لأنهم يحفظونه عن ظهر قلب.
واستشهد محمد فوزي، ببديعة مصابني لتأكيد أنه صاحب اللحن، فعندما التحق بفرقتها أسمعها بضعة ألحان كان من بينها "يا مصطفى"، ونصحته أن تقوم مطربة بأداء اللحن بدلًا منه، وأوضح أنه وضع هذا اللحن لمطربة أجنبية كانت زميلة له في كباريهات الدرجة الثالثة، وأنها كانت تحب شابًا يُدعى مصطفى، فوضع لها هذا اللحن.
يذكر أن محمد فوزي، لم يكن الوحيد الذي ادعى أن لحن "يا مصطفى" ملكًا له، فالمطرب عبدالعزيز محمود زعم أن اللحن من تأليفه، ودخل الكحلاوي في الصراع مدعيًا أن اللحن هو نفس لحنه "تشكر يا سايق المطر".
رد المطرب الشعبي "محمد الكحلاوي" دعوى قضائية ضد فوزي متهمًا إياه بأن لحن الأغنية طبق الأصل من لحن أغنيته البدوية "فضلك يا ساجي المطر"، وبعد وفاة الكحلاوي عام 1982، لم يعرف أحد إلى من تذهب حقوق الأداء العلني للأغنية.
شهدت تعنتا من الرقابة وقت تقديمها عام 1959، حيث أن أحد أعضاء الرقابة رفضها مبررًا ذلك أن لها منظور سياسي حيث إن المقصود من "يامصطفى يامصطفى" فى الأغنية هو "مصطفى باشا النحاس" وأن المقصود بجملة "سبع سنين في العطارين" هو مرور 7 سنوات على إسقاط الملكية وقيام الجمهورية، وذلك من مجلس قيادة الثورة عام 1960.
إلا أن وجود "نجيب محفوظ" آنذاك مدير التصنيفات والرقابة السينمائية، هو ما كتب للأغنية الظهور للنور.