طارق الشناوي يكتب : من الناس وإلى الناس تعود!
أتخيل هذا النجم السينمائى وهو يستحوذ على أغلب الجوائز فى المهرجانات، قد قال فى لحظة صدق مع نفسه: (لا أريد هذه الجوائز، أنا أنتظر الإيرادات فى شباك التذاكر). كانت أفلامه بالمقارنة بزملائه تحتل ذيل القائمة، ومر زمن ولم يعد أحد يسند إليه دور البطولة، هكذا تضاءل مع الأيام أيضا رصيده من الجوائز.
يسعى الفنان للجمع بين الحسنيين، أقصد أن يقدم فيلمًا يحقق أعلى الإيرادات، وأن يحظى بتأييد وتعضيد النقاد، ويا حبذا لو أضيفت «فوق البيعة» جوائز المهرجانات، البعض يرى أن هذا هو المستحيل الرابع بعد الغول والعنقاء والصديق الوفى!!.
ليس صحيحا أن المسافة شاسعة بين ذائقة الناس وما تفضله المهرجانات، لو ألقيت نظرة عين الطائر الخاطفة على أفضل 100 فيلم عربى طوال تاريخنا السينمائى، وهو الاستفتاء الذى أعلنه مهرجان «دبى» السينمائى الدولى 2013، ستكتشف أن 50% منها حققت درجة جماهيرية ضخمة، أى أنها قدمت لغة سينمائية استوعبها الجمهور وانطوت فى نفس الوقت على أسرار إبداعية جمالية منحتها مع الزمن عمرا جديدًا، أفلام مثل التونسى «صمت القصور» للراحلة مفيدة تلاتلى، والمصرى «الكيت كات» لداوود عبد السيد، واللبنانى «بيروت الغربية» لزياد الدويرى، حققت مراكز متقدمة فى قائمة العشرة الأوائل فى تاريخنا السينمائى، وكان لها فى نفس الوقت مردود ضخم فى الشباك.
لو تتبعت أكبر المهرجانات مثل «كان» و«برلين» و«فينسيا» ستكتشف أن الأفلام الجماهيرية ليست بعيدة عن المشاركة واقتناص الجوائز، وفى العادة فإن الفيلم الحاصل على سعفة «كان» أو دب «برلين» أو أسد «فينسيا» يحقق أعلى الإيرادات بعد عرضه جماهيريا. التجارب المعزولة عن الحس الجماهيرى لا أنكر وجودها عبر التاريخ، ولكنها فى إطار الاستثناء الذى يؤكد القاعدة، وهى أن السينما فن شعبى لا يتنفس بعيدا عن الناس!!.
المسافة تقلصت أو فى طريقها لذلك، ثم من قال إن أفلام الجوائز تخلو بالضرورة من الحس الجماهيرى؟!، لديكم مثلًا «تيتانيك» أو «مليونير العشوائيات» أو «أرجو» الحائزة على الأوسكار، حققت أعلى أرقام فى الشباك، بل إن «تيتانيك» صار يعد الآن هو الأول فى الإيرادات على مستوى العالم طوال تاريخ السينما، ومن فرط نجاحه أعاد المخرج جيمس كاميرون تقديمه عام 2012 بتقنية الأبعاد الثلاثة، وذلك بمناسبة مرور 100عام على كارثة السفينة «تيتانك»، ولو تتبعت الإيرادات لاكتشفت أنه الأول ولو أحصيت عدد الجوائز لاكتشفت أيضًا أنه الأول؛ حصد 11 جائزة أوسكار!!.
وفى تاريخنا السينمائى عدد من الاستثناءات، وهى تلك الأفلام التى ناصبها الجمهور العداء، بل قصف دار السينما بالحجارة احتجاجًا عليها، بينما انتصر لها عدد من النقاد وبعض المهرجانات، أتذكر على سبيل المثال «باب الحديد» ليوسف شاهين، أعتقد الجمهور عندما لمح اسم فريد شوقى على أفيش السينما أنه بصدد فيلم «أكشن» حركة، ولكنه اكتشف بعد الدقائق الأولى أن البطل الحقيقى هو يوسف شاهين الذى لعب دور «قناوى» وأنه يحب من طرف واحد هند رستم «هنومة»، بينما النجم الجماهيرى فريد شوقى لا يمارس كعادته فى تلك السنوات دور الفتوة الذى يطيح برؤوس وأعناق الجميع، حدث هذا قبل 63 عاما، ومع مرور السنوات أصبح «باب الحديد» فيلمًا جماهيريًا، ومؤخرا فى قائمة أفضل مائة فيلم فى تاريخنا العربى حظى بالمركز الثانى.
خدعوك فقالوا لدينا نوعان للسينما، الأول مهرجانات والثانى جمهور، بينما السينما هى السينما، من الناس وإلى الناس تعود!!.
[email protected]
المقال:نقلاً عن (المصري اليوم).