طارق الشناوي يكتب: «محمد بكرى» كسر الحاجز الوهمى!
نجح مهرجان (الجونة) فى دورته الخامسة فى كسر الحاجز الوهمى، الذى كان يمنع تواجد الفنان الفلسطينى الكبير محمد بكرى على الأراضى المصرية، سوف يمنحه المهرجان مساء اليوم الجائزة الكبرى للإنجاز (نجمة الجونة).
بكرى إحدى أهم أيقونات السينما العربية والفن الفلسطينى، وبقدر ما يمتلئ قلب بكرى بالحب لمصر ولكل ما هو مصرى إبداعيا وفكريا، بقدر ما كانت لديه فى السنوات الأخيرة (فوبيا) الحضور لأم الدنيا، حتى لا تتكرر معه تلك المأساة التى عاشها قبل ثمانى سنوات، وهو ما رواه لى عندما التقيته فى مهرجان (مالمو) بالسويد، عندما جاء للقاهرة وبجواز سفر دبلوماسى ليشارك فى بطولة فيلم (القط) إخراج إبراهيم بطوط، وبعد عدة ساعات قضاها فى المطار، قال له رجال الأمن: (عُد كما كنت) فى الطائرة المتجهة لباريس، حيث إنه يحمل جوازى سفر فرنسيا إسرائيليا، وتم إسناد دوره فى اللحظات الأخيرة إلى النجم المصرى الكبير الراحل فاروق الفيشاوى.
بكرى من هؤلاء الذين دأبت (الميديا) أن تُطلق عليهم (عرب فلسطين).. أقصد أنهم ولدوا بعد 48 من أبوين فلسطينيين، وعاش داخل ما تسميه إسرائيل الخط الأخضر، أى الأرض التى أقيمت عليها دولة إسرائيل.. أغلب هؤلاء يتحدثون العربية والعبرية: العربية لأنها خط الدفاع الأول عن الهوية، والعبرية لأنهم مجبرون على التعامل بها، وهم بالملايين، ومع مرور الزمن سيشكلون النسبة السكانية الأكبر ليصبحوا هم القنبلة البشرية التى ستُفجر من داخل دولة إسرائيل.
دعونا نقرأ معًا مأزق بل قُل مأساة الفنان الفلسطينى فى الدخول لمصر، السينما الفلسطينية هى صاحبة الحضور الأعلى عربيا فى أغلب المهرجانات الكبرى، لأنها بطبعها متعددة التوجه والمشارب، أفلام من (غزة)، وثانية من (رام الله)، وثالثة من (الناصرة)، ورابعة من إحدى الدول الأوروبية.. كثيرا ما وجدت المخرج الفلسطينى مشاركا بفيلمه فى مهرجان عالمى، بينما تغيب أغلب الدول العربية.. يظل فى المعادلة الفنان الفلسطينى الذى يعيش فى فلسطين التاريخية، بينما حسابات الجغرافيا السياسية وضعته تحت طائلة إسرائيل، ويحمل الجنسية الإسرائيلية مجبرا.
كانت ولا تزال قناعتى - دون تفريط ولا إفراط - أننا لن نخترع للعمل الفنى هوية، لو كانت إسرائيل تشارك فى الإنتاج فهو فيلم إسرائيلى يمكن أن نشاهده فى المهرجانات خارج عالمنا العربى، إلا أننا أبدا لا نعرضه فى المهرجانات العربية، هذا الباب لو فتحناه أو حتى (واربناه) فلن نستطيع إغلاقه، سنفتح علينا أبواب جهنم، وستقضى حتما على اتحادات عربية التكوين مثل اتحاد الفنانين العرب، لأنهم لن يستطيعوا إصدار قرار نهائى وملزم للجميع.
إذن، الفنان الفلسطينى عندما يشارك فى عمل ولا وجود بشكل مباشر أو غير مباشر لتمويل إسرائيلى، المنطق يقضى بمشاركته فى المهرجان العربى، كما أن المبدع الفلسطينى يجب أن يُسمح له بالدخول.
الممنوع فقط- وأكرر- أن نعرض عملا فنيا به أى شُبهة بالتمويل الإسرائيلى.. إنها ليست قضية الفنان القدير محمد بكرى، الذى من الممكن أن تلتقيه فى عشرات من المهرجانات العالمية، فهو لا يُقدم نفسه إلا وتسبقه صفة الفنان الفلسطينى.. هؤلاء الفنانون المتشبثون بالأرض يصرون على هويتهم العربية، ومن حقهم على أم الدنيا أن تسمح لهم بالعبور لأم الدنيا.
جائزة محمد بكرى الحقيقية هى فى عناق مصر له بعد طول غياب!!.
[email protected]