دار الأوبرا الخديوية.. بدأت النشاط الفني بصورة كاملة بعرض "سميراميس" تفاصيل

الفجر الفني

دار الأوبرا الخديوية
دار الأوبرا الخديوية


يمر اليوم الاثنين الذكرى الـ152، على افتتاح دار الأوبرا الخديوية، وذلك في 1 نوفمبر عام 1869، اعتبرت الأوبرا القديمة هي الأولى في قارة أفريقيا واعتبر مسرحها واحدًا من أوسع مسارح العالم رقعة واستعدادًا وفخامة.


 

بعد افتتاح قناة السويس، وعودة وفود الدول إلى أوطانها، بدأت الأوبرا نشاطها الفني بعرض أوبرا "سميراميس" في فبراير 1870 ولعله العرض الأول، الذي تم بصورة كاملة في تاريخ الأوبرا الخديوية، وتتمثل أهمية هذا العرض في وجود عناصر شعبية مصرية وسودانية صاحبته بوصفه عرضًا أجنبيا فحسب وصف مجلة "وادي النيل" حينها، أبانت أن هذا العرض الأجنبي أضيفت إليه فقرة فنية لتشويق الجمهور، اسمها "حاوية الثعبان"، وهي عبارة عن احتفال شعبي راقص يشبه رقص العوالم حيث يقمن فرحًا للملكة سميراميس، بما يشبه “زفة العروسة” و يجتمع المشاركون في الزفة وسط ميدان التياترو.


 

وتبعا لهذا الزمن، اسم "ميدان التياترو" يُطلق على ميدان الأوبرا الآن بالعتبة، الذي يتوسطه تمثال إبراهيم باشا ممتطيًا حصانه، وهذا الاحتفال وصفته المجلة بتعبير علمي هو "فرجة جديدة"، مما يعني أن هذا العرض كان يبدأ داخل الأوبرا، وينتهي خارجها، أي في الشارع، وهو أمر متطور جدًا في هذا الزمن.


 

وهذا نص إعلان المجلة لهذا العرض بمفردات المجلة وأسلوبها: "إلى سائر غواة الألعاب التياترية والألحان الأوروبية. تياترو الأوبيره بمصر القاهرة في يوم 19 فبراير "ليلة الأحد" ستلعب اللعبة التياترية المشهورة باسم "سيماراميس" ليعطي إيرادها لصندوق الإعانة المنشأ بهمة جناب درانيت بك ناظر عموم التياترات الخديوية لذوي الحاجات من أسطاوات وخدمة التياترات المصرية في ظل الحضرة الخديوية.


 

وهي عبارة عن تخليعة من نوع الألعاب التياترية المسماة باسم الأوبيره أي تصوير وقعة تاريخية يتخللها توقيعات موسيقية والمسماة باسم "سيماراميس" هذه قد كانت ملكة مدينة بابل العراق المشهورة في التواريخ القديمة في سائر الآفاق تتصور في هذه اللعبة بمعلب التياتر صورتها وتحكي على لسان اللاعبين واللاعبات سيرتها مع تصوير تبعتها وأرباب دولتها وأطراف قصتها بما يتخيل للمتفرجين إنه عين حقيقتها وإن شاء الله تعالى فيما بعد نذكر للراغبين زيادة تفصيل كما هي عادة كتبة الغازيتات في ما يتعلق بزبدة لعبتها ولربما أدرجناها على سبيل الأنموذج لهذه التأليفات الأدبية في صحيفة وادي النيل بكليتها إذا وفق الله سبحانه وتعالى فيما بعد لترجمتها حيث كانت هذه اللعبة تصويرًا لبعض أحوال بلاد المشرق في العصر الذي سبق والله خير موفق ولأجل شدة تشويق المتفرجين على هذه القطعة اللطيفة وزيادة بهجة هذه الليلة الظريفة.


 

زيد على لعبة "سيماراميس" هذه فرجة جديدة ونزهة شديدة تسمى بـ"حاوية الثعبان" وهي عبارة عن أن جماعة من طقم رقاصين التياترو يرقصون رقص السودان والبنات المغنيات من قبيل ما يعرف باسم العوالم المصريات يجتمعون في ميدان التياترو ويعملون صورة فرح للملكة سيمراميس المذكورة وتأتي معهم الحاوية فتحصل حركات متنوعة وملاعيب مبتدعة ثم تعذب الحاوية ثعبانها فيعضها فترقص كالمصاب بالجنون حتى تقع على الأرض وغير ذلك مما لا يعلم إلا بالمشاهدة من أنواع الملاعيب والفنون".


 

"أوبرا سميراميس" بحسب مجلة "وادي النيل" كتبه محمد أنسي، ومن أقواله فيه: "وهي بدعة حسنة وطريقة للتربية العمومية مستحسنة، من حيث ما يترتب عليها من تفتيق الأذهان وتصوير أحوال الإنسان للعيان، حتى تكتسب فضائلها، وتجتنب رذائلها إلى غير ذلك من الفوائد الجميلة والعوائد الجليلة. ويا ليته يحصل التوفيق لتعريب مثل هذه التأليفات الأدبية وابتداع اللعب بها في التياترات المصرية باللغة العربية، حتى ينتشر ذوقها في الطوائف الأهلية … إن أصل مبنى هذه اللعبة على حادثة تاريخية وقصة واقعية في بلاد آسية … قبل ظهور عيسى عليه السلام بنحو ألفي عام بمدينة بابل التي هي كرسي مملكة العراق المسماة ببلاد الأسيرية. وحاصل هذه القصة، أن الملكة سميراميس كما هو في كتب التواريخ القديمة منصوص، كانت قد سمت زوجها الملك نينوس ملك بلاد الأسيرية باتحادها مع رجل من أهل بيت الملك يقال له الأمير أسوريوس؛ طمعًا في الاستبداد بالملك وطاعة لشهواتها، ولقصد أن يتزوج بها الأمير المذكور ويشاركها في سرير الملك. وكان للملك نينوس المغدور ولد منها يسمى نيناس، فلما دنا أجله وتحقق أن الذي قتله هو زوجته بتواطئها مع ذلك الأمير، أخفى ولده هذا وأشاع أنه انفقد من بعد أن أوصى إليه أن يأخذ بثاره … وتخلل ذلك من الأقوال على لسان كل أحد بلسان مَن صوَّره من اللاعبين واللاعبات، ما يظهر للعيان صور الشهوات كأنها مشاهدات. ومعنى ذلك كله تقبيح القبائح وتنقيح النصائح من أن الغدر مآله ذميم والانقياد للهوى مرتعه وخيم، وأن القاتل لا بد وأن يقتل، والظالم وإن أُمهِل لا يُهمَل، فتأمل"!


 

وأما ما أضيف إلى هذه اللعبة التياترية من الزيادة لتشويق المتفرجين وابتهاج المبتهجين، فقطعة الرقص المسماة بقطعة حاوية الثعبان. وهي عبارة عن أن جماعة من رقَّاص التياترو تزيَّوا بزي الحبشة "في قديم الزمان"، وآخرون بزي الغوازي المصريات، ورقصوا جميعًا كرقص العوالم البلديات تمامًا بتمام، حتى ظن الحاضرون أنهن رقاصات بلديات، وجاءت راقصة أخرى وهي المسماة بحاوية الثعبان وبيدها ثعبان حقيقي، وأبدت معه من أنواع الرقص وفنون الملاعيب ما يعد في الواقع ونفس الأمر من الصنع العجيب والبدع الغريب حتى عجب لذلك سائر المتفرجين وخرجوا مبهوجين.


 

مجلة وادي النيل

الحديث عن أول إعلان مسرحي بدار الأوبرا الخديوية
الحديث عن أول إعلان مسرحي بدار الأوبرا الخديوية