طارق الشناوي يكتب: السينما التشادية ضربة البداية في (قرطاج)
فيلم الافتتاح هو ما نُطلق عليه فى اللغة العربية (براعة الاستهلال)، من الممكن أن يُصبح عاملًا محفزًا أو منفرًا.. نجح رئيس المهرجان المخرج الكبير رضا الباهى فى اقتناص فيلم (الروابط المقدسة) ليصبح هو ضربة البداية، الشريط يحمل ملامح المهرجان الإفريقية العربية، نجد فيه أيضا ملامحنا.
الفيلم شاهدته من قبل بمهرجان (كان) ولاقى استحسانا نقديا. (تشاد) واحدة من الدول التى يختلط علينا وضعها الجغرافى، يعتقد كُثر أنها دولة عربية، لأن اللغة العربية مع الفرنسية معتمدة رسميًا، تستطيع ببساطة أن تستوعب كل المفردات من خلال حوار الممثلين مباشرة دون الحاجة لقراءة الترجمة، فهى تشبه اللكنة السودانية المحببة لنا، الإسلام دين الأغلبية، والمفهوم الخاطئ للإسلام أيضًا هو الذى يسيطر على القسط الأكبر من الممارسات، فى الفيلم كثيرًا ما تستمع إلى الآذان ونرى الجميع خشوع بينما هم ينتهكون كل القيم.
(تشاد) جغرافيًا لا تطل على أى ساحل، المبدع يمنح شعبه شاطئًا أكثر رحابة ليتنفسوا الجمال والفن، مخرج الفيلم محمد صالح هارون حقق تواجدًا عالميًا تبحث عنه المهرجانات السينمائية الكبرى، تابعت تقريبًا كل أفلامه.
(الروابط المقدسة) العنوان.. تلك التى تجمع بين أم وابنتها، أرملة لديها ابنة فى الخامسة عشر من عمرها، نراها فى بداية الأحداث تعيش كابوسًا، نكتشف أنها حامل، ومع استمرار اللقطات نتأكد أن الحمل جريمة من رجل كان من المفروض أن يصبح فى مكانة الأب، نراه أول من يذهب للجامع وآخر من يخرج منه، وكثيرا ما تروى له الأم مأساتها، حتى عندما يطلب منها الطبيب لإجهاض الحمل مبلغًا فوق طاقتها تعرض عليه نفسها، وتتسع دائرة التدين الشكلى التى يقدمها المخرج، عندما نرى شيخ الجامع المتزمت وقد توالت زياراته المفاجئة للأم وابنتها يحثهما على الصلاة فى موعدها، رافضًا أن يصافحهما بل يطالبهما بتغطية رأسيهما وشعريهما.
عندما تكتشف الأم اسم الفاعل الأصلى، الذى انتهك عنوة شرف ابنتها القاصر، تنتظره داخل منزله عقب صلاة الفجر وهى تحمل عصًا غليظة، بينما كانت ابنتها تتابعها وتنهال ضربًا بكل ضراوة على رأسه، تنتقم لنفسها وأيضًا للجمهور، بينما هو من هول المفاجأة والخوف من الفضيحة لم يحرك ساكنًا وكتم صراخه.
حرص المخرج، رغم ضراوة الضربات، على أن يؤكد أولًا أنه لا أحد شاهد الجريمة، وثانيًا أن المغتصب لم يُقتل.. شاهدناه وهو يتحرك بصعوبة، وذلك حتى نطمئن على نجاة الأم وابنتها من احتمال المساءلة القانونية، فهو لا يمكن أن يبوح بالاسم وإلا تعرض للسجن بتهمة اغتصاب قاصر.
تخلل الأحداث أكثر من عنصر لتعميق الرؤية.. حياة التقشف التى تعيشها الأسرة على أطراف المدينة، الضغط الدينى من المجتمع لممارسة الطقوس ولو شكليًا، حضور المرأة العاملة وتحملها المسؤولية، ازدواجية اللغة: الابنة تتحدث العربية مع أمها والفرنسية مع أصدقائها، استثمار الفولكلور الغنائى والموسيقى والاستعراض داخل أحداث الفيلم ببساطة وتلقائية وكأنه جزء حميم من حالة الفيلم دراميًا ونفسيًا وجماليًا.. المعالجة جاءت بعيدة تمامًا عن الميلودرامية، رغم أن التتابع كان من الممكن أن يؤدى إلى الإغراق فيها.. أداء يجمع بين البساطة والتلقائية سيطر على كل الممثلين، خاصة تلك الهارمونية بين الأم وابنتها.
السينما ليست هى الحكاية بقدر ما هى المسافة بين صرامة الخطوط الدرامية والإيحاء الذى يسمح به الشريط السينمائى، كلما استطعنا القفز بعيدا عن قسوة الحكاية لنتأمل الظلال نجح العمل الفنى.. ومشكلة (الروابط المقدسة) أنه لم يسمح كثيرا بتلك الظلال!.
المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).