طارق الشناوي يكتب: مسرحية "المومس الفاضلة"

من السهل جدًا أن تُدرك أن داخل المجتمع تزداد مساحات التحفظ، ومهما قلنا إن الفن لا ينتعش سوى بالحرية، ولا توجد بالمناسبة أبدا وشائج قربى أو نسب بين الحرية والإباحية، بل إن الفن بطبعه يعادى الإباحية، وإن الفن يقيّم بمقياس علم الجمال (الاستاطيقا)، فلن نجد سوى الاستهجان، لأنه الأعلى صوتا، قطاع من المجتمع لديه يقين أن أى انحراف على الشاشة يعتبر بمثابة دعوة صريحة لممارسة الضرب والنهب والقتل والرذيلة فى الشارع.

وهكذا جاء انزعاج نائب البرلمان من تقديم عمل فنى لسارتر باسم (المومس الفاضلة)، لم ترتح مشاعره لكلمة (مومس)، خاصة عندما يصفها بالفاضلة. لم تكن هناك أساسًا مسرحية ستقدم، مجرد دردشة وصلت للصحافة من خلال لقاء جمع بين سميحة أيوب وإلهام شاهين، بمهرجان (شرم الشيخ المسرحى). وفى مثل هذه الأمور، لا يكفى فقط رغبة الفنان، ولكن أولًا حماس المسؤول وموافقة لجان القراءة.

دعونا نقرأ الحكاية وما تطرحه على أرض الواقع من قضايا نعرفها ولا نجرؤ على مناقشتها.. قبل نحو أربع سنوات هاجم أيضًا أحد أعضاء مجلس النواب الموقر روايات نجيب محفوظ، وطالب بمصادرتها من صفحات الكتب الدراسية، لأنه إباحية ولا يجوز أن يطلع عليها أبناؤنا.

عشرات من الأعمال الفنية تعاملت على هذا النحو، أفلام ومسلسلات وروايات، ودائمًا ما يعلو صوت المصادرة، وكما استبعدوا المسؤول، الذى منح تصريح الموافقة على طبع رواية (وليمة لأعشاب البحر) فى (الثقافة الجماهيرية)، وطلبوا من وزير الثقافة الأسبق، فاروق حسنى، حرقها واستجاب لهم، شاهدنا قبل عدة سنوات عمال المطبعة فى إحدى المؤسسات الصحفية الكبرى يرفضون طباعة العدد، لأنهم وجدوا فيه ما اعتبروه إساءة للدين.

المجتمع أو بالأحرى فى قطاع منه، يميل إلى فرض مزيد من القيود، وبينما العالم يمنح العصمة للمواطن فى اختيار ما يريد مشاهدته، قبل أكثر من 60 عامًا والعالم يطبق التصنيف العمرى، وكل مصنف فنى محدد بالفئة العمرية التى تتعاطى معه، التصنيف العمرى تم إقراره فى مصر قبل أكثر من 5 سنوات ووقّع عليه د. جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، إلا أننا لا نزال نطالب الدولة بالتدخل فى كل التفاصيل، والقيام بالمنع من المنبع.

وهكذا لم يحصل مؤخرًا فيلم (Eternals) على الموافقة بالعرض، لأن الرقيب صار ينفخ فى الزبادى، خوفًا من تعرضه للإقصاء.

مع الزمن سوف يعرض أيضا فى مصر، ولو لم تجده خلال أسابيع قليلة على إحدى المنصات، مثل (نتفليكس)، عقلية المصادرة والمنع التى تتدثر دائما بالأخلاق الحميدة سوف تنتهى لا محالة، لقد نشطت غُدة المنع أيضا من قبل، وطالت فيلم (شفرة دافنشى) بعد غضب مشترك من الأزهر الشريف والكنيسة المقدسة، وهو ما تكرر بعدها فى فيلم (نوح)، بينما المنصات عرضت الفيلمين.

تخيل لو أن أحد أعضاء مجلس الشعب فتح (البرجل) على آخره ليشمل أيضا الأغانى، سنكتشف أنه لن يتبقى شىء تسمعه، بما فيها أغانينا الوطنية، أذكركم فقط بأغنية (بالأحضان) تأليف صلاح جاهين وتلحين كمال الطويل، فى أحد المقاطع يقول حليم (فى صلاة العيد عيد الثورة بناجيك يارب)، أكاد أسمع صوتًا من مجلس الشعب معترضًا، لأن صلاة (عيد الثورة) غير منصوص عليها.

[email protected]
المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).