فايزة هنداوي تكتب: "المسابقة الرسمية" يسخر من غرور الممثلين  ويزلزل برجهم العاجي

الفجر الفني

فايزة هنداوي
فايزة هنداوي

 

لكل مهنة أمراضها، خاصة المهن التي تحقق لصاحبها كثير من الشهرة والنجومية، وهناك كثير من الأفلام التي ناقشت أمراض الشهرة، من أجملها فيلم "وجه من الزحام" لإيليا كازان، الذي ناقش التحول الذي يحدث لعازف صغير حالم، عندما يصبح مذيعا تلفزيونيا تتهافت عليه القنوات ويحقق أعلي نسبة إقبال جماهيري، فيتحول لطاووس مغرور متعجرف.

وفي فيلم "المسابقة الرسمية" الذي عرض في مهرجان القاهرة السينمائي في افتتاحية عروض الدورة الثالثة والأربعين، ناقش الفيلم أمراض الشهرة والأبراج العاجية التي يعيش فيها الممثلين، بعد أن تخدعهم الأضواء والنجومية والجوائز.

 الفيلم شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في دورته الأخيرة،  من إخراج ماريانو كوهن، وجاستون دوبرات، بطولة، بينيلوبي كروز، أنطونيو بانديراس، خوسيه لويس جوميز، أوسكار مارتينيز. 

ورغم جدية  الفكرة، التي يناقشها الفيلم، إلا أن صناعه نجحوا في تقديمها بشكل كوميدي، انتزع كثير من الضحكات من جمهوره، ليبدو حتي أنه يسخر من السينما ومن السينمائيين، فهو يقدم فيلما داخل الفيلم.

يبدأ الفيلم بمشهد تأسيسي، لعيد ميلاد قطب صناعة الأدوية (خوسيه لويس جوميز)، الذي يعاني من أزمة في أواخر حياته بعد حفل عيد ميلاده الثمانين، يريد أن يترك أثرا يذكره به العالم، فيقرر في البداية بناء جسر يحمل اسمه، لكنه يتراجع عن هذه الفكرة، ويقرر إنتاج فيلم كبير يحصل من خلاله علي جوائز هامة، حيث يري إنها الطريقة الأكثر ضمانا لتخليد اسمه، فيختار قصة حاصلة علي جائزة هامة بعنوان "المنافسة"، دون أن يقرأها، ويكلف المخرجة "لولا" الحاصلة علي السعفة الذهبية.

يدور الفيلم الذي ينتجه رجل الأعمال الثري، حول شقيقين، تدور بينهما خلافات تؤدي في النهاية إلي قتل أحدهما للآخر واحتلال مكانه بدم بارد.

يوحي الفيلم في البداية، إنه سيدور حول الصدام بين عالمي الفن والتجارة، حيث تظهر لولا شديدة المتطلبات، وتسعي للمخاطرة، التي لا يفضلها أصحاب الأموال، ولكن رجل الأعمال الثري منحها الحرية الكاملة، ووافق علي كل مطالبها، دون أدني تدخل في أعمالها. 

تختار لولا، فيليكس ريفيرو (بانديراس)، الممثل والرمز الجنسي، الذي فاز بالعدد من الجوائز، ولكنه يقدم أيضا أفلام بهدف الأموال فقط،  ويؤدي مارتينيز، إيفان توريس، وهو ممثل مسرحي يحظى بمكانة  كبيرة وهو أكثر تقديرا لقيمة الفن.

وقد اختارتهما لولا بسبب اختلاف أسلوبيهما، حتي ينشأ توتر بينهما أثناء التصوير، فيضفي علي الفيلم التوتر المطلوب، وبالفعل تنشأ بينهما خلافات شديدة تؤجج الصراع أثناء البروفات المتزايدة طيلة تسعة أيام، حيث يتبادلا الأعمال الانتقامية  النابعة من الغرور والشعور بالأفضلية. 

لولا أيضا تؤجج الصراع، حيث اعترفت إنها تحب المعاناة أثناء تصوير أفلامها، في توجه سادي مازوخي،  وتضع "تمارين" للممثلين اللذين يختبران غرورهما الهش، ويصبح الخط الفاصل بين الواقع والخيال غير واضح، وسط بحر من الأكاذيب، كما يجدد المعركة القديمة  بين مدرسة "الفن من أجل الفن"، أم "الفن من أجل الجماهير"، وهي معركة لا يمكن لأحد أطرافها أن ينتصر. 

تستمر لولا في تعذيب فريقها بطريقة لها إيحاءات جنسية، مدعومة بالمظهر العصري البارد لمنزلها.، مما يوتر العلاقة بينها وبين ريفيرو وفيليكس.

 و يصل هذا التوتر إلي ذروته، عندما قامت بتحطيم كل الجوائز التي حصلا عليها في تاريخهما، بتمريرها من خلال آلة تقطيع المعادن، لكسر غرور أبراجهما العاجية، ولأول مرة نري مخرجة  تقوم بالإساءة لضحاياها من الرجال علي عكس المتعارف عليه، من إساءة الرجال للممثلات النساء واستغلالهن.

في هذه الأثناء، يتحد البطلان  في محاكاة ساخرة للذات، ولكن يستمر ريفيرو في التقليل  من أهمية الأعمال التي قدمها فيليكس. 

كانت الأزياء والماكياج ملائمين جدا لطبيعة الشخصيات، حيث جاءت ملابس إيفان تقليدية ووقورة، بينما جاءت ملابس فيليكس صاخبة، كما نجحت مصممة الأزياء واندا موراليس، في تصميم ملابس أضفت لمسة عصابية علي شخصية رولا، خاصة السروال القصير الذهبي، كما كان للشعر المجعد الأحمر تأثيرا علي استقبال المشاهدين للشخصية. 

ولعب أداء الممثلين دورا كبيرا في انجذاب الجمهور للفيلم، حيث قدموا أدوارهم بفهم للشخصيات وخفة دم كبيرة، وخاصة بينولبي كروز فقد أكدت أنها ممثلة كوميدية من طراز رفيع من خلال دور المخرجة التي لا تتواني عن فعل أي شيء إخلاصا لأحلامها الفنية. 

ديكور القصر الواسع الذي تم التصوير فيه ساعد علي رسم المواقف الكوميدية، كما ساعد علي إضفاء أجواء البرودة والخواء في علاقة الثلاثي، ونجح السيناريو في خلق مواقف كوميدية طريفة، كما نجح كذلك في خلق حبكة جيدة وتحريكها إلي الأمام مع تطور الشخصيات، والسخرية منها، ففيلم "المسابقة الرسمية" يسخر من غطرسة وحماقة مهنة التمثيل، ولكنه في نفس الوقت جاد في تقديمه للسحر الذي يؤدي إلى تقديم أداء رائع.

ورغم أنه فيلم كوميدي مرح، إلا أن الضحكات تبدأ  في التوقف عندما ندرك أن السخرية ما هي إلا قناع لواقع قاس، حيث  يبدو الأمر وكأننا نشاهد عرضًا واقعيًا مكتوبًا، خاصة مع اقتراب النهاية، عندما  نشعر أن الأبطال الثلاثة دخلوا في طريق اللاعودة، بعدما تسبب فيليكس في إصابة إيفان بغيبوبة طويلة، وقام بأداء الشخصيتين الرئيسيتن في الفيلم فتكسر " لولا" الجدار الرابع وتشير إلى أن الصراع لم ينتهي بعد، في إشارة إلي أن صراعات الحياة لا تنته، وربما يكون تمهيدا لجزء ثان من الفيلم.