طارق الشناوي يكتب: "البحر الأحمر".. ولد ليبقى!
أمس كان يوما تاريخيا فى مدينة جدة، تم تدشين مهرجان البحر الأحمر لنجد أن المملكة العربية السعودية وقد وضعت أقدامها على خريطة العالم السينمائية بقوة ورصانة.
نعم كان ينبغى فى العام الماضى التأجيل بسبب (كورونا) التى صارت هى الاسم الأكثر رعبا، إلا أن مولده المرتقب جاء، بينما العالم بدأ فى التعافى باستخدام (القميص الواقى) وأعنى به (الفاكسين)، مع قدر كبير من الاحتراز، الفيروس على الجانب الآخر لا يستسلم بسهولة، مصر على البقاء بيننا مدة أطول، وتتعدد التحورات، قرر العالم أنه لن يلجأ مجددا لأبغض الحلال، أقصد الإغلاق التام للحدود، بدأنا طريق التعافى بالعودة لكل الأنشطة، وهكذا شاهدنا أغلب المطارات فى العالم وقد عادت إليها الحياة، وباتت دور العرض قادرة على استقبال الجمهور، وعادت المهرجانات الكبرى (كان) و(فينسيا) و(برلين)، ومؤخرا أنهى (القاهرة) دورته الناجحة، ليستقبل العالم بعدها مباشرة (البحر الأحمر).
الكل ترقبه بشغف، ليس فقط عالمنا العربى، ومن الممكن التأكد من ذلك عمليا من خلال تعدد الجنسيات المختلفة وتواجدها على (الريد كاربت) المهرجان تمكن قبل أن يبدأ فعالياته، بأكثر من عام، أن يصبح بؤرة حديث كل الأوساط السينمائية عربيا وعالميا. قبل ثلاث سنوات وأنا أشاهد علم المملكة العربية السعودية مرفرفا داخل سوق مهرجان (كان) المطل على شاطئ (الريفييرا) وأيضا جناح فى مهرجان (برلين) وغيرهما، لتصل الرسالة للعالم كله أن السينما السعودية قادمة وبقوة.
(المملكة) لديها من الذخيرة البشرية ما هو أهم وأبقى من الاحتياطى النفطى، بلد خصب قادر على أن يمنحنا مبدعين كبارا فى كل المجالات، وبينها قطعا وفى مقدمة الفنون الجماهيرية السينما، عاشت المملكة قبل عقود فى زمن إغلاق كامل لدور العرض، وتنطلق بقوة فى عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز وولى العهد صاحب السمو الملكى محمد بن سلمان، قفزة حضارية على كل الأصعدة، نرصدها جميعا، والباب صار مفتوحا على مصراعيه لكل المبدعين.
يقول وليم شكسبير (أحذر منه أنه لا يحب الموسيقى)، المقصود قطعا الفن بكل تنويعاته، مؤخرا قرأت تصريحا لمدير دار الأوبرا فى برلين (اونتر دير ليندن) عن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل - المنتهية ولايتها - مشيدا بدورها العظيم على كل الأصعدة وتحديدا الفن والثقافة.
نعم السينما أداة تواصل جماهيرية لا بديل عنها، والمهرجان يمثل ذروة الانطلاق السينمائى، منطلقا من مدينة (جدة) التاريخية، لم يكن الأمر مفاجأة لأحد من المتابعين، لأن ما يجرى من وميض ثقافى وفنى متدفق بتنويعاته المختلفة فى السينما والمسرح والموسيقى والغناء والفن التشكيلى حاليا، كان ينبغى أن يُسفر عن هذا المهرجان الذى يقام بدعم من وزارة الثقافة برئاسة الوزير الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، وبفريق عمل متميز يقوده المنتج السعودى الهوليوودى محمد التركى.
المهرجانات الكبرى تتوجه أساسا لدعم السينما فى البلد المضيف، وهكذا نجد دائما فى (كان) و(برلين) و(فينسيا) وغيرها إطلالة آنية وتاريخية على السينما المحلية، كما أن المهرجان، كما أعلن فى أول بيان له، بتوجهه السعودى، لن يغفل البعد الخليجى والعربى والعالمى.
كثير من الأفلام السعودية شاهدتها مؤخرا، ومنها (بلوغ) الذى قدمته خمس مخرجات، كل منهن قدمت فيلما قصيرا يحمل إطلالة على نفس التيمة (البلوغ)، توقفت أمام الجرأة الإبداعية الجمالية، وخفة الظل وروح الحداثة فى السرد السينمائى، كما أنه لأول مرة يكسر النمط السائد فى السينما العربية، خاصة المصرية، التى عادة ما تقدم صورة واحدة للشخصية الخليجية المرفهة، وهى بالمناسبة ليست أفلاما نسائية بقدر ما تجد أن عنوانها هو الإنسان. ونُكمل غدا!!.
[email protected]
المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).