طارق الشناوي يكتب: أحمد الحجار.. همسة فى زمن الصخب

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي

أمس، لو كتبت (أحمد) على (جوجل) ستجد لأول مرة اسم أحمد الحجار متصدرًا الجميع. أول مرة يصبح (تريند)، أظنه لم يفكر ولا مرة في تحقيق هذا السبق الذي يراه زائفا، وربما كانت علاقته بـ(السوشسيال ميديا) غير قائمة.
هذه الشخصيات النادرة، أشعر أنهم جاءوا بالخطأ إلى هذا الزمن، الرحيل المفاجئ هو الذي دفع به للقمة، عاش نحو أربعة عقود بعيدا عن الإعلام، وفى المرات القليلة التي يطرقون فيها بابه بكل أدب وتواضع وخجل يشكرهم ويواصل العزوف، محتضنًا عوده.


الفنان ابن الزمن، ولا يستطيع أي إنسان فما بالكم بالفنان! أن يفرض زمنه وإيقاعه على الدنيا.. لولا السينما مثلا ما أصبح لدينا ليلى مراد، ليلى ليست مطربة حفلات، وكانت تلك هي أداة التواصل الوحيدة مع الجمهور قبل زمن الأسطوانة والإذاعة والسينما والتليفزيون، لو رجعت لأرشيف الإذاعة فلن تجد إلا حفلا أو اثنين فقط لـ «ليلى مراد»، ولم تكن أبدا في أفضل حالاتها.


هل تخيلت مثلا نانسى عجرم وقد تواجدت في زمن فايزة أحمد، ما الذي من الممكن أن تفعله لجان الاختيار في الإذاعة سوى منعها من الغناء؟!، الآن لو تقدمت (كروان الشرق) فايزة أحمد بأوراقها إلى أي اختبار من برامج الغناء فلن يعيرها أحد اهتماما.. الزمن لم يعد صوتا فقط، ولكن الصوت وأشياء أخرى، ولهذا مثلا لم تمنح السينما دور البطولة أبدا لفايزة أحمد، بينما مها صبرى عرفت البطولة أكثر منها، وهكذا جاءت العديد من ألحان أحمد الحجار منتمية لزمن آخر. 


الموسيقار رياض السنباطى لم يكن يعترف بأجهزة الإعلام، ومن النادر أن تجد له أحاديث مقروءة أو مسموعة أو مرئية، ولكنه كان زمنا مختلفا يسمح بأن نترقب ونتأمل، حتى من هم خارج دائرة الضوء.


أحمد الحجار كانت لديه أحيانًا تحفظات خارج النص، إحدى شركات الإنتاج قبل سنوات قلائل كانت بصدد تقديم حياة (رابعة العدوية) في عمل مسرحى ضخم، وعرضوا عليه تلحين الأغانى والاستعراضات، ولكنه بسبب فرط توجسه كان يخشى على وقار (رابعة) فاعتذر، رغم أنى موقن أنه كان بحاجة إلى التعبير عن نفسه موسيقيًا، ناهيك عن حقه مثل كل البشر في الإنفاق على متطلبات الحياة، فهو ليس لديه مورد آخر.


الشاعر جمال بخيت الأقرب إلى وجدانه، الذي أراه في حالة توأمة مع أحمد الحجار، والتسجيل الصوتى الغنائى الأشهر له (عود)، كما أنه قدم لشقيقه على الحجار (لما الشتا يدق البيبان) و(اعذرينى)، ومع محمد فؤاد وتأليف مدحت العدل (أمريكا شيكا بيكا) (ويعنى إيه كلمة وطن).. وعلى الخريطة أغنيات متعددة لعلاء عبدالخالق وأنغام وغيرهم.
زمن قاسٍ وضبابى، تغيب عنه في أحيان كثيرة الرؤية الموضوعية، كما أن الفنان بين الحين والآخر عليه أن يعرف شفرة جمهوره، ولا أتصور أن أحمد بحث أبدا عن الشفرة.


قبل عدة أشهر، غنى المطرب المشهور بالغناء الدينى والوطنى محمد ثروت (كله على كله / لما تشوفه تقوله)، مقلدًا أحمد عدوية، وذلك من أجل أن يجد نفسه على الموجة مع الجمهور.


كل شىء يتحرك بمؤشر الناس، بينما قلة من نوعية على الحجار يظل كما هو، يقدم فقط نفسه للناس أنه الهمسة الصادقة في زمن الصخب الزائف.

[email protected]

المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).