طارق الشناوي يكتب: الجمهور يناصر الأم في نضالها لاسترداد ابنها

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي

 

ارتفع صوت تصفيق الجمهور لأول مرة فى دار العرض، الاحتراز والابتعاد لم يمنع تلك الحالة من التوحد الوجدانى التى ساهم فى تصديرها لنا فيلم المخرج أندريس دريسون، (رابيا كورناش تتحدى جورج بوش) الذى كان يسخر من ازدواج المعايير عند القيادة السياسية الأمريكية، وهكذا كان الهتاف ليس فقط للفيلم، ولكنه يحمل أيضا فى عمقه نقدا للسياسة الأمريكية التى كثيرا ما تتناقض مع نفسها ولديهم أكثر من (ترمومتر) وأكثر من (مكيال)، تحركهم المصلحة الآنية، وبعدها لا شىء يهم، ومن أجلها تخترق كل الأعراف والتقاليد التى كثيرا ما صدرتها للعالم، وعندما نمعن النظر ونعاود التقييم نكتشف اختلال النظرة.

صحيح أن الفيلم ينتقد فترة زمنية محددة وكما يبدو من العنوان (جورج بوش) الابن، أى مرحلة بداية الألفية الثالثة، والتى تواكبت مع اكتشاف ما يجرى فى سجن (جوانتانامو) من تجاوزات إنسانية، بحجة مواجهة الإرهاب، فهو المعتقل الأكثر شراسة فى العالم، والذى تتولى مسؤوليته أمريكا، ومكانه على الأراضى الكوبية، منذ عقود من الزمان، هو الغطاء الأمريكى الذى تصدره للعالم لإلقاء مسؤولية الانتهاكات بعيدًا عن مرماها.



وتبقى شخصية (بوش) الابن سينمائيا، التى حظيت بنصيب الأسد من الانتقادات، وهو أكثر رؤساء الجمهورية فى الزمن الحالى حمل قدرا كبيرا من الجاذبية لدى السينمائيين لتناول شخصيته، وأشهرهم المخرج الأمريكى مايكل مور بفيلمه (911 فهرنهايت) الحائز على عشرات الجوائز مثل (الأوسكار) وسعفة (كان)، وقدمه المخرج فى زمن ولاية بوش الابن بغرض دفع الأمريكيين لعدم تأييده فى الفترة الثانية، وهو ما لم يستطع الفيلم تحقيقه فعليا، لأن المواطن الأمريكى فى الأغلب يقيس تلك الأمور بمصلحته الشخصية، ولكن قطعا عاش هذا الفيلم ولا يزال قادرا على توثيق الحالة، وإدانة أيضا، الأسلوب (البرجماتى) النفعى الذى نكتشف أنه فى النهاية المحرك الرئيسى لكل التجاوزات الإنسانية التى تتدثر عادة بإطار كاذب من الدفاع عن حقوق الإنسان.



بوش فى عهده كان بطلا على الشاشة حتى لو كان الهدف السخرية منه، ولا يزال يحظى بقدر كبير من الجاذبية، سواء بأيدى مخرجين يحملون الجنسية الأمريكية، أم من الدول الأخرى وبينها قطعا عالمنا العربى.

ولكن قبل أن نواصل الحديث أتوقف أمام تلك الدورة وكم الحواجز التى تتعدد حتى نحصل على تذكرة افتراضية للدخول، إلى دور العرض، صحيح أن المهرجان كما أراه يحاول أن يقدم دورة تحمل نبضا سينمائيا، تتجاوز الكثير من الصعوبات الإدارية، مع تراجع الإنتاج العالمى السينمائى التى فرضت نفسها على كل التظاهرات السينمائية التى تنتعش فقط فى وجود جمهور، والحالة التى أراها مبالغا فيها من التعقيدات التى تواجه كل من اتخذ هذه الخطوة وذهب للمهرجان برغم عشرات الاعتذارات، والتى أراها متمثلة بكثرة فى الجانب العربى، ولكن تظل تجربة تستحق حقًا التجربة، القفز فوق عشرات من الحواجز حتى الوصول لدار العرض، هناك ولا شك متعة فى أن تعيش تجربة خاصة.



المهرجان من الواضح أنه قلص ميزانية هذه الدورة لأقصى حد ممكن، الإجراءات الاحترازية أخذت الكثير من إمكانيات المهرجان، وأدت إلى أن العدد الأكبر أحجم عن الذهاب خوفا من الإصابة والتى تعنى خسارة مادية وأدبية مضاعفة، واكتشفت أن طقس المهرجان بكل تفاصيله هو جزء حيوى من فعاليات المهرجان، وربما تواجد بعض الأفلام التى تتجاوز حدود الشاشة لتصل إلى الوجدان مباشرة تساهم فى تقليص الإحساس بافتقاد الطقس.



التصفيق مع فيلم (ريبا كورناش ضد جورج بوش) هو المكافأة التى يستحقها، لأنه غلف كل مشاهده بطاقة من السخرية اللاذعة وخفة الظل، الحكاية (ميلودرامية) أم ملتاعة على ابنها البكر الذى دفعوا به لسجن جوانتنامو لمجرد الاشتباه، إلا أنها أم مقتحمة تحمل جذورا تركية، مثل قطاع كبير من الألمان، وحرص المخرج على أن نتعايش معها كشخصية مقتحمة، حتى إنها كثيرا ما تخالف التعليمات، الصارمة، لا تتوقف عن البحث عن ابنها وتتواصل مع وزارة الخارجية الأمريكية وتحصل على دعوة من السلطات هناك، يتحمل فيها الجانب الأمريكى كل التكاليف، وتذهب مع محاميها لكى تصل كلمتها، وفى النهاية نرى ابنها فى حالة يرثى لها، ولا يجيب الفيلم عن السؤال بشكل قاطع هل هو برىء أم مدان، لأنه يفضح أساسا الممارسات التى تنتهك القوانين.

المخرج أندريس دريسن، الحائز قبل سنوات على (دب برلين) الفضى، أفضل مخرج يقدم هذه المرة رؤية كوميدية ساخرة، لا تخلو من لحظات شجن، تضع الفيلم حتى الآن فى تقييم الأفضل سينمائيًا!!.

[email protected]

المقال: نقلًا عن(المصري اليوم).