طارق الشناوي يكتب: المهرجانات تواجه بوتين!

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي

لم تكن المرة الأولى التي نتابع فيها السلاح الثقافي وهو يفرض قانونه على الدنيا، إلا أنها الأولى قطعا التي يستخدم فيها بكل هذا العنف والتطرف والإفراط، التي تصل إلى حدود العشوائية.


 

استبعد مهرجان (كان) من مختلف فعالياته، كل الأفلام التي تحمل الجنسية الروسية، يقص الشريط عن (اليوبيل الماسي) 75 عاما 17 مايو القادم.


 

تعود المهرجان بين الحين والآخر على تلك الإطلالة السياسية، مع ثورات الربيع العربي، منح مساحة معتبرة للأفلام التي تقف مع الثورة، وهكذا مثلا عرض في 2011 في إطاره الرسمي وخارج التسابق الفيلم المصري (18 يوم)، وفى العام التالي عرض داخل المسابقة الرسمية فيلم يسرى نصرالله (بعد الموقعة)، وهو ما تكرر أيضا مع الأفلام التونسية والسورية والليبية واليمنية.


 

وشاهدناه أيضا في (فينسيا) و(برلين)، تاريخيا فإن المهرجانات الكبرى الثلاث أقيمت لأغراض سياسية، ما قبل وما بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى الآن لم تهدأ المعركة السياسية.


 

أيدت المهرجانات الكبرى الفنانين الإيرانيين في صراعهم ضد السلطة الدينية، وعرضت الأفلام المناهضة لحكم الخوميني، عندما منعت إيران سفر عدد من مخرجيها خارج الحدود، مثل جعفر بناهي ومحمد رسولوف، ولم تسمح لهم بممارسة المهنة، وجدنا مهرجان (كان) تعمد اختيار بناهي، رئيسا للجنة تحكيم، وترك مقعده شاغرا فى الافتتاح والختام، وبمجرد ذكر اسمه ترصد الكاميرا المقعد الخالى، ويصفق الجمهور وتصل الرسالة للعالم.


 

تتعدد المواقف وأسلوب التعبير في كل المواقف المماثلة، ولكن التطرف وصل إلى مداه هذه المرة، فى سؤال البعض حتى عن الأدب والموسيقى والباليه الروسي هل نقاطعها أيضا؟.


 

ما أقدم عليه بوتين فاق كل التوقعات، وجاءت تلك الضربات المضادة، على نفس الدرجة متجاوزة كل التوقعات، عندما يصوت أعضاء الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتلك الأغلبية ضد الغزو الروسي، كل الدول العربية شجبته، باستثناء سوريا طبعا، والتي يأتي قرارها من موسكو، الإجماع العربي رغم المصالح والتشابك العربي الروسي، في ظل بعض الخلافات مع الإدارة الأمريكية، أتصورها ضربة مباغتة، لم تتوقعها روسيا أبدا.


 

إيقاف التعامل البنكي العالمي الذى يشل تعاملات روسيا اقتصاديا، كل ذلك من أجل أن يجد المواطن الروسي نفسه محاصرا بسبب بوتين، جزء لا يستهان به من الشعب الروسي لا يجد لهذه المعركة أي مبرر.


 

تم اختراق الخط الأحمر وبدأ اللعب بالفن والسياسة بل أيضا الرياضة لتستبعد روسيا من المشاركة دوليا.


 

بعد انتحار النازي منعت ألمانيا التعاطي مع موسيقى ( فاجنر) لأنه الأقرب لقلب وفكر هتلر، تم التراجع بعد ذلك عن هذا القرار، وفى إسرائيل وحتى الآن لا يرحبون بموسيقى فاجنر، رغم عدم إصدار قرار رسمي بالتحريم.


 

هل حسبها بوتين بدقة؟، ولديه إجابات وردود فعل حاضرة على كل التداعيات؟، هل أعد خطة للمواجهة، أم أنه يراهن على أن مثل تلك القرارات لا تصمد، طويلا مع الزمن؟.


 

تراجُع بوتين، أراه مستبعدا في اللحظة الراهنة، انفرط العقد وصار رد الفعل هو القانون، قبضة حديدية مسيطرة، إلا أن دخول السلاح الثقافي والفني والرياضي بكل هذا التطرف، قد يؤدى إلى زيادة مساحة الغضب، وتندلع الشرارة داخليا، وهى تلك التي ربما لم يحسبها جيدا بوتين!!


 

[email protected]

 

المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).