طارق الشناوي يكتب: فاروق حسنى يُمسك النور
ثلاثة وزراء ثقافة فى رحلة الدولة المصرية، لعبوا أدوارًا هامة فى هذا الملف الحيوى الذى ينال عادة أقل الإمكانيات المتاحة، رغم أنه يجب أن يحتل المقدمة، فهو الذى يملك الوجدان ويوجه بوصلة مشاعرنا.
الثقافة هى سلاحنا الأول فى مواجهة الإرهاب والتطرف وفى غرس الأفكار والقيم الإيجابية، من خلال ترمومتر دقيق جدا ينفذ للعمق، مبتعدًا عن التلقين والمباشرة التى هى آفة الإبداع.
د. ثروت عكاشة هو صاحب البنية التحتية والعمق الاستراتيجى لكل ما نتابعه، لم أعاصره، ولم يسعدنى الحظ بلقائه، ولكنى كتبت عنه دراسة موسعة نشرتها فى مجلة مكتبة الإسكندرية عن هذا الفنان والضابط الذى مزج بين قلب الفنان وعقل الضابط، فلقد كان أحد رجال ثورة يوليو الذين خرجوا ليلة 23 يوليو ولهذا منحه الرئيس جمال عبد الناصر حقيبة الوزارة مرتين.
الوزير الثانى هو فاروق حسنى، أطول الوزراء بقاء على المقعد فى الدولة المصرية، اقترب من ربع قرن، ولولا ثورة 25 يناير لامتدت به السنوات، بينما الوزير الثالث هى د. إيناس عبد الدايم، واصلت للعام الرابع وهى تواجه العديد من التحديات، كان من المفروض أن تتولى الوزارة فى أعقاب ثورة 30 يونيو، وشاهدنا اسمها فى الطبعات الأولى للجرائد لولا أن السلفيين اعترضوا لأنها امرأة، واجهت ضعف الإمكانيات المادية، وأيضا عامين من فيروس كورونا الذى يوجه أقوى ضرباته الشرسة إلى التجمعات والأنشطة الثقافية التى يعتبرها بيئة نموذجية له، ونجحت الوزيرة فى العبور من هذا المأزق العالمى ولم تستسلم للحفلات الافتراضية، بقدر المستطاع انتصرت لعالم الواقع.
وبين الثلاثة أتوقف هذه المرة مع فاروق حسنى، أهم ملمح اكتشفته فى هذا الرجل هو إيمانه المطلق بدور الثقافة، وبعد أن غادر الموقع بأكثر من عشر سنوات لا يزال بحضوره يشكل بؤرة ثقافية وشعاع ضوء متجدد.
لم يتوقف عن الإضافة بتلك المسابقات والتكريمات من خلال المؤسسة الثقافية التى أنشأها من رأسماله، ويشارك فيها عدد كبير من القامات المصرية، ونشاطها ممتد ومتعدد الأوجه.
لم تكن علاقتنا الشخصية جيدة وهو فى موقعه، عندما غادر الكرسى بدأت اكتشاف الكثير، فهو يملك حلمًا، وتمتع بالجرأة فى العديد من المواقف التى يقف فيها على الحافة، أتذكر أنه كان مدعوا لأحد المهرجانات، لاحظ التخبط على حفل الافتتاح فأمسك بالميكروفون واعتذر للحضور على الهواء وغادر الموقع.
بالقطع تكوينه كفنان تشكيلى دفعه لا شعوريًا للانحياز لهذا الفن المظلوم، وكثيرًا ما كنا نحمل إليه شكوى السينمائيين، إلا أنه فى الحد الأدنى أقر الدعم للأفلام بمنح مالية لا ترد أسفرت فى عدد منها عن أفلام جيدة، وكالعادة فى كل نشاط تتبناه الدولة ينفذ أصحاب المصالح والحناجر لصانع القرار، من أجل أن ينالهم قضمة من تورتة الدعم، التجربة تحمل إيجابيات أكثر، تحمل ضربات مباغتة من وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف، لأن بينهما خطوط تماس مشتركة ورغم ذلك لأنتصر فى كل هذا المعارك، يتمتع بكاريزما خاصة تمنحه حضورًا أكبر بكثير من منصبه الوزارى.
أتابع من بعيد لبعيد نشاطه فى الشأن الثقافى، الفنان بداخله صوته أعلى وشغفه للعطاء الثقافى يزداد مع الأيام، لم يكن الوزير مجرد منصب جاء له وهو فى مطلع الأربعينيات من عمره، بداخله (جينات) تدفعه دائمًا لكى يمسك بيديه النور ويمنحه للآخرين، دون أن ينتظر أى ثمن!!.
المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).