طارق الشناوي يكتب: "بوتين" جرحنا وقفل الأجزاخانات
من أطرف وأصدق الجمل الغنائية تلك التى رددها محمود شكوكو قبل 80 عامًا (جرحونى وقفلوا الأجزاخانات)، هل لا يزال هناك من يتذكر فن المونولوج، الذى قدمه هؤلاء المبدعون الكبار أمثال إسماعيل ياسين ومحمود شكوكو وعمر الجيزاوى وثريا حلمى وسعاد أحمد وأحمد غانم وسيد الملاح، وخلفهم كتيبة من الشعراء بحجم أبو السعود الإبيارى وفتحى قورة وأبوبثينة وابن الليل وحسيب غباشى، ولديك من الملحنين محمود الشريف وعزت الجاهلى ومنير مراد وعلى إسماعيل، وأيضا كل من ياسين وشكوكو شاركا فى تلحين بعضها؟.
الذى تبقى أكثر فى الذاكرة هما سُمعة وشكوكو، ثريا حلمى كانت تُبالغ فى الأداء، وأحمد غانم مونولوجاته الاجتماعية افتقدت خفة الدم، بينما سيد الملاح يضحكنى أكثر فى التقليد، لبلبة ملعبها الرئيس الأغنية المرحة الخفيفة وتقليد المطربين. مهنة المونولوجيست صارت (أنتيكة)، محمود عزب حاول تقديم ملمح (الإسكتش) ولم يستطع الاستمرار، فيصل خورشيد وعادل الفار انتهت سريعا فترة الصلاحية لهما، حمادة سلطان كانت كل طاقته موجهة إلى النكتة فصار هو صاروخها.
الدراما ابتعدت حتى عن الإشارة إلى تلك المهنة، ومن الممكن أن نجد فى شخصية المونولوجست «صلاح وردة»، التى أداها «صلاح عبد الله» فى فيلم «الفرح»، بعض شذرات مما يجرى الآن، حيث إن هذا المونولوجست لم يعد أحد يطلبه ولا حتى فى الأفراح.
المونولوج رحلة طويلة وممتعة فى فن الغناء العربى على خشبة المسرح وأيضًا أمام كاميرا السينما، إلا أنها مثل بائعى (الساكسونيا) حكايات من زمن فات.
«ما تستعجبش ما تستغربش» ليس فقط مونولوج شهير لإسماعيل ياسين، ولكننى أقول لك أيضًا «ما تستعجبش ما تستغربش» إذا علمت أن بعض كبار نجومنا بدأوا حياتهم بأداء المونولوج.. فهذا هو ما فعله «يوسف وهبى» و«نجيب الريحانى» و«حسن فايق»، ولا تزال الإذاعة المصرية تحتفظ بمونولوج سجله «حسن فايق» فى منتصف الثلاثينيات ليكافح انتشار الكوكايين فى مصر، ويقول فى مطلعه «شم الكوكايين خلانى مسكين»!!.
فى آخر أفلام رأفت الميهى «عشان ربنا يحبك» الذى عرض قبل 20 عاما، استمع الجمهور إلى صوت «عمر الجيزاوى» وهو يغنى «معانا الجاوى والبخور»، ولا أعتقد أن أحد تعرف على صوت «عمر الجيزاوى» أو أدرك أن «الجاوى» مادة تستخدم فى معالجة شرخ الأحبال الصوتية، التسجيل الذى تحتفظ به الإذاعة المصرية وتقدمه أحيانًا بعض القنوات الفضائية (أبيض وأسود) لعمر الجيزاوى وهو يرتدى زيًا شعبيًا لبائع العرقسوس.
«الجيزاوى» ظلمته الإذاعة عندما تغاضت عن حكم قضائى يقضى بأحقيته فى ذكر اسمه كملحن مشارك فى تلحين أغنية «مصر اليوم فى عيد»، حيث إن «جمال سلامة» أخذ لحنًا قديمًا للجيزاوى (ياللى من البحيرة يالى من الصعيد)، وقدمه لشادية، لم يستمع «الجيزاوى» إلى اسمه فى الإذاعة على هذا اللحن، ورحل قبل أن يقدم «شريف عرفة» فيلمه «سمع هس» الذى استوحى أحداثه من سرقة لحن شعبى ووضع كلمات وطنية على أنغامه « وطنى وطنى يا وطن يا وطن طن».
أما مونولوج شكوكو (جرحونى وقفلوا الأجزاخانات)، فهو أصدق تعبير عن حال العالم الآن، الدب الروسى شعر بتهديد من حلف (الناتو)، انتفض بوتين ليدمر بلدًا، ويقتل شعبًا أعزل، ويفجر قنبلة الغلاء، وتركنا ننزف، بعد أن قفل كل الأجزاخانات، ورغم ذلك هناك من يجمع فى مصر توقيعات لمؤازرة القاتل!!.
المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).