طارق الشناوي يكتب: ربنا هو اللي قال
هذا السؤال هو مفتاح مسلسل فاتن أمل حربى (تونة)، (ربنا اللى قال) يعنى مباشرة القرآن الكريم، لا نجادل فيما قاله الله، هذه هى الشريعة، الجانب الآخر، ما أجمع عليه العلماء الأفاضل طوال تاريخ الأزهر الشريف، وهو ما يظل حمال أوجه، يحتمل النقاش وأيضًا الخلاف، اجتهاد بشرى فى مرحلة محددة بالزمان والمكان لفهم نص أو تفسير حديث شريف، وهو ما يعنى أنه لا قدسية له.
تلك هى القضية الشائكة فى التناول الدرامى لإبراهيم عيسى، وهو ما دفع صُناع المسلسل إلى اللجوء إلى أحد العلماء الكبار، سعد الدين الهلالى، ليتصدر اسمه المسلسل، الاقتراب من قضايا شائكة دينيًا يثير كثيرًا من اللغط، فى ظل مجتمع بطبعه متحفظ فى أحكامه، ويميل إلى الارتكان لكل ما هو متوارث، من القديم، يرفعون شعار النقل وليس الفكر.
قبل أن أواصل الإمساك بتلك الجمرة المشتعلة، أتوقف أمام ملمح فنى فى السرد، عندما نتابع (الأفان تتر) ما قبل بداية كتابة الأسماء، سنجد فى كل حلقة جزءًا من (فلاش باك) يقدم لنا مشهدًا عن علاقة الزوجين نيللى كريم وشريف سلامة. بدأنا الأحداث وهما أمام المأذون الذى أنهى الزواج، وتلك هى براعة الاستهلال، الانطلاق من نقطة ساخنة، هناك سؤال سيصعد مباشرة، كيف وصل الطرفان إلى الطلاق؟، الحل التقليدى (فوتومونتاج) سريع، ولهذا كان لا بد من حل مبتكر للحفاظ على الإيقاع، لا يقدم كل الماضى، يقتنص مشاهد تحمل ظلالًا تقدم تفاصيل الشخصية، وبعدها نواصل الحلقة الجديدة، ملمح عصرى أيضًا أضافه إبراهيم وهو دخول (السوشيال ميديا) كطرف فاعل وليس هامشيًا فى تطور الأحداث.
التفسير الذكورى للشرع هو ما استوقف الكاتب إبراهيم عيسى، والمخرج ماندو العدل، السؤال بعد الطلاق، الحضانة لمن؟، وكيف تواجه المرأة الهجوم متعدد الزوايا، من أقرب الناس إليها، ثم المجتمع الذى يمارس ضغطًا على الطرف الضعيف (المرأة)، وتتعدد الضربات.
الدعوة التى يطلقها المسلسل فتح كل الأبواب الموصدة أو المواربة، يقترب بحذر من قضية ارتداء الحجاب، يحاول أن يعبر عن موقفه دون إثارة الغضب، ولهذا يضع حجاب ابنتىّ نيللى كريم وشريف سلامة فى مقدمة (الكادر)، يصبح إجبارهما على الحجاب فى هذه السن مرفوض دينيًا، ويبقى عدم ارتداء (تونة) الحجاب إحدى المفردات التى يناقشها بحساسية مفرطة، يتقدم خطوة ويتراجع أخرى، فى العام الماضى مسلسل (لعبة نيوتن) تم فيه الاقتراب منها أيضًا بحذر.
أحد الفقهاء الشباب أدى دوره بألق محمد الشرنوبى، يقدم وجهًا مرنًا، بينما شيخه ورئيسة فى دار الإفتاء يمثل الوجه المتزمت، الأمر ليس امرأة تريد ولاية قانونية مدعمة بالشريعة، الهدف الأعمق هو مناقشة كل ما اعتبرناه من المسلمات فى الدين، المسلسل يحتمى بظلال أيضًا قانونية حتى لا يجد نفسه وقد صار تحت مرمى طلقات متلاحقة تنال منه، والهدف الذى يتبناه أن ما لم يقله الله فى القرآن هو اجتهاد بشرى، بينما يرى كُثر أن الارتكان لكل ما أقره السلف الصالح هو النجاة، القضية صوتها عال، والأحداث بحاجة لقدر من الهدوء، الشخصيات تسير بخطوط متوازية دراميًا، الصديقة المسيحية هالة صدقى والمحامى محمد ثروت والقاضى خالد سرحان، نسيج واحد متعدد الألوان، (تونة) ليست هى الطرف الضعيف المستسلم على العكس ترفض القهر وتواجه الظلم، وهنا يكمن السر.
المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).