طارق الشناوي يكتب: في انتظار "الأستيكة"!
المشكلة التى تواجه الدراما كانت ولا تزال ومع الأسف ستظل، هى ما أطلقت عليه (صراع الورقة البيضاء)، الكاتب عليه أن يملأ تلك المساحة الخاوية فى أقل وقت ممكن، كل دقيقة درامية لها ثمن فى البيع، ولهذا يصبح الرهان هو كيف تشغل الوقت؟، ينطبق عليهم مقولة كاتبنا الكبير أحمد رجب، (الكتابة نوعان الأول كلام فارغ، والثانى كلام مملوء بكلام فارغ)، عدد من الأعمال الدرامية يتم استكمالها فى لحظات حاسمة وحرجة وفى عز رمضان يجرى استدعاء فيالق من (الكتيبة)، من أصحاب الورش المنتشرة على قارعة الطريق وخدمة تحت الطلب 24 ساعة، وذلك لإنقاذ الموقف.
المونتاج النهائى يتم فى نفس لحظة التصوير، الذى يتواكب مع توقيت العرض، شعارهم (من الفرن إلى الفم)، ولا يوجد أى زمن يسمح بالإجادة، أو إعادة الكتابة أو التصوير، الكل يلهث حتى ينتهى (تستيف) الحلقات، فى رمضان قبل أن يداهمهم هلال شوال.
فى علم الدراما هناك الحدث الرئيسى وبجواره خطوط درامية ثانوية، كلها تصب فى مجرى واحد وهو الخط الرئيسى الذى من أجله تم صناعة العمل الفنى، إلا أنهم عادة لملء الفراغ يستخدمون الحكايات الفرعية ويولَّد منها عشرات من الحكايات الثانوية.
فى علم الدراما، الكاتب أمامه على المائدة عشرات من الحبكات الدرامية، علميًّا عددها 36، هذا الرقم من الممكن أن يتضاعف، ومن خلال تفاعل حبكتين أو أكثر، مثلًا تلتقط أكثر من حبكة وليدة.
هذا الثراء الدرامى فى النهاية له جدران وإطار لا يمكن أن تتخطاه، وأول درس هو احترام عقل المشاهد، فهو لن يضيع وقته فى متابعة أى صراع لمجرد أنهم يريدون أن يصل الرقم إلى 30 حلقة، هكذا صارت الدنيا بعد انتشار الفضائيات، هذا الرقم يحقق الصفقة المرتقبة فى البيع ولكل الأطراف، والخاسر الوحيد هو (الزبون)، فهو الذى يدفع الحساب من أعصابه.
والحل ليس كما يحلو للبعض أن يتصوره باختصار الزمن إلى 15 حلقة مثلًا، الأمور لا تقاس على هذا النحو، الرقم لا يشكل فى المطلق معيارًا للجودة، من الممكن اكتشاف أن العمل الفنى كان ينبغى ألا يتجاوز مثلًا 7 حلقات، أو حتى سهرة، القماشة الدرامية تفرض قانونها وعدد الحلقات، الكاتب الموهوب هو الذى يجد أمامه أفكارًا لعشرات من المشاهد لتقديم المعلومة الدرامية، ويختار بينها واحدًا فقط، هذا هو الموهوب، بينما الموهوم سوف يفتعل الحدث ولن يقنع المشاهد.
سألوا مرة يحيى حقى: كيف تختار الكلمة؟، أجابهم: أجد أمامى للتعبير الواحد نحو عشر مفردات، تؤدى الغرض، كل منها يرجونى أن أستخدمه، وفى النهاية أختار الأفضل. كاتبنا الكبير إبراهيم أصلان قال إن الكاتب الحقيقى هو الذى يكتب بالأستيكة أكثر مما يكتب بالقلم.
أتذكر وحيد حامد وهو يشبه عددًا من كتاب الدراما بالفطاطرى الذى يملك قطعة صغيرة من العجينة تكفى لصناعة فطيرة، محدودة المساحة ولكنها لذيذة، إلا أنه يبدأ بناء على ضغوط الإنتاج، فى فرد العجينة ليزداد قطرها لتتسع أكثر وتصيبنا بالملل والتلبك الدرامى أكثر وأكثر.
مشكلة أغلب كتابنا أنهم صاروا لا يعرفون سوى (البراية)، كلما انتهى سن القلم أعادوه إلى سيرته الأولى، وفى غمرة ذلك تناسوا مع سبق الإصرار أن الإبداع الحقيقى يكمن فى الكتابة بـ(الأستيكة) وبلغة (الكمبيوتر) فى هذا الزمن (ديليت)!.
المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).