طارق الشناوي يكتب: زيلينسكى (شابلن).. وبوتين (هتلر).. المهرجان صوّب كل ألسنة النيران ضد روسيا!
(لا سياسة في الثقافة ولا ثقافة في السياسة)، مقولة أثبتت الأيام أنها خاطئة تماما، خطوط التماس المشتركة باتت حميمة وتعدت مرحلة السخونة إلى توجيه ضربات موجعة، وبات كما يبدو من المستحيل الفصل بينهما، مع الأيام قد يتضاءل التوتر قليلا، على خطى التماس، إلا أنه سرعان ما يعود وربما أكثر مباشرة وأشد ضراوة وتتأجج المعركة بين السياسة والثقافة.
الرئيس الأوكراني زيلينسكى ممثل كوميدي يتمتع بذكاء وكاريزما، وقدرة على اجتذاب الجمهور، لديه فيض من (الذكاء العاطفي)، يسخر عقله لخدمة قلبه، محققا الأهداف التي يريدها بتلك المعادلة الذهنية العاطفية، يؤمن بأهمية القوة الناعمة في تحقيق أهداف القوة الصلبة، لا يتوقف أيضا عن استجلاب الأسلحة لدحر العدوان على أرضه، مهما كانت المبررات الأمنية التي يطلقها الجانب الروسي فهو يظل عدوانا، وإذا كانت روسيا قد اعتقدت، في البداية، أن حربها على أوكرانيا تقدر بالأيام لينتهي الأمر باستسلام البلد الذى كان يعتقد أنه لا يحتمل سماع دوى طلقات الرصاص لبضع ساعات، فما حدث، وعلى مدى الشهور الماضية، أكد خطأ الحساب بالورقة والقلم، قُتل على أرض المعركة عدد من الجنرالات الروس.
وطلبت أكثر من دولة أوروبية مثل السويد وفنلندا الانضمام لحلف الناتو، أي أن سلاح التخويف الروسي لأوكرانيا بسبب تسريع إجراءات انضمامها للحلف لعب دورا عكسيا، حفز الدول الأوروبية الأخرى على البحث عن حماية عسكرية ضد روسيا، ردود فعل لم يتصورها أبدا بوتين في حربه التي أصابت العالم كله بإصابات اقتصادية لا يمكن التعافي منها بسهولة، مهما كانت المبررات الروسية، فإننا ندفع ثمن حرب لسنا طرفا مباشرا فيها.
لم تكن المرة الأولى التي يرى فيها الناس عبر الفيديو ظهور زيلينسكى، في مناسبة فنية، فعلها في جوائز جيرمي، وحاول أيضا في مسابقة الأوسكار الأخيرة، تسربت أنباء ثم تم الاكتفاء بإعلان التعاطف، هذه المرة تكتمت إدارة (كان) الموضوع برمته وأحاطته بسرية شديدة حتى تزداد ضراوة الضربة، ثم أباحت به تماما للجميع في تسجيل طال زمنه، واضطر زيلينسكى إلى تكرار المعلومات، وكانت الكلمة بحاجة إلى (مونتاج).
إلا أنه فى نهاية الأمر تقمص شخصية شارلي شابلن الذى قدم أفلامه في زمن ما قبل الصوت (السينما الصامتة)، وكان من أكثر السينمائيين عداء لاستخدام الحوار، على أساس أنه يفقد السينما لغتها وعالميتها، إلا أنه، فى نهاية الأمر، استسلم وجاء فيلمه (الديكتاتور العظيم) 1940، باكورة تلك الأفلام الناطقة، وبالفعل كان ناطقا ليس فقط بالصوت ولكن بالمشاعر المكبوتة ضد هتلر.
الفيلم دفع شابلن إلى استخدام الحوار لأول مرة وكسر حاجز الصمت، للكلمة سحرها وقوتها ولا يمكن استبدالها بالحركة ولا حتى بكتابة التعليق على الشاشة.
زيلينسكى حرص على تأكيد التماثل بين هتلر وبوتين، وعلى الجانب الآخر بينه وبين شابلن، برغم أن بينه وبين شابلن صلة قربى، مع اختلاف المكان وتباعد المكانة، كل منهما ممثل يصنف كوميديانا، شابلن أسطورة عالمية ولايزال، وزيلينسكى كممثل كوميدي لم تتجاوز شهرته، قبل أن يحصل على كرسى الحكم، جمهور أوكرانيا، إلا أنه حقق العالمية كرئيس ملهم لشعبه وجيشه، ولا يتخلى أبدا عن ارتداء سترته العسكرية، الغريب أن أول اتهام وجه إلى شابلن بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا، هو ما يعرف بـ(المكارثية)- نسبة إلى السيناتور الأمريكي (مكارثى)- مقصود بها الشيوعية ولكن هذه حكاية أخرى.
نعم الحرب متعددة الوسائل والأسلحة ليست فقط تلك التي نصفها بالأكثر تدميرا أو الأبعد مدى، يظل سلاح الفن هو الأكثر تأثيرا بدليل أن (الديكتاتور العظيم) بعد أكثر من 80 عاما لا يزال حاضرا بقوة، وتقول المؤشرات إن معدلات البحث عن الفيلم ارتفعت بعد كلمة زيلينسكى.
في عالمنا العربي، هل يتكرر ما حدث في (كان)؟، لا أتصور أن أي مهرجان عربي من الممكن أن يتخذ خطوات مماثلة في مقاطعة الفيلم الروسي أو في الحفاوة بالمعارضة الروسية، نظرا لأن الموقف السياسي والاقتصادي واللوجيستي في عالمنا العربي تجاه روسيا يقف على الحياد، ولا يمكن أن يخرج مهرجان عن سقف الدولة السياسي، ورغم ذلك يبقى السؤال: هل يعبر مهرجان (كان) بالضبط عن الموقف الرسمي الفرنسي أم أن القائمين عليه لديهم مساحة فى الاختيار؟.
يحدث نوع من التوافق، مثلما انحازت فرنسا الدولة، وأيضا المهرجان، لأفلام (الربيع العربي) وعرضت أفلاما تم إعدادها قبل أسابيع قليلة من الدورة التي أقيمت في (كان) عام 2011، وعرضت رسميا ولأنها سياسيا توافقت مع ثورة الربيع العربي وشاهدنا أفلاما من مصر وسوريا وليبيا وتونس واليمن، والفيلم المصري تحديدا (18 يوم)، أقيمت من أجله احتفالية خاصة وسجادة حمراء.
وبرغم الإعلان أكثر من مرة عن عرضه تجاريا بمصر، إلا أنه فعليا لم يعرض وأعتقد بعد مرور أكثر من عشر سنوات لن يعرض، الفيلم شاهدته في كان وفى عدد من المهرجانات العربية، شارك في تنفيذ أفلامه العشرة القصيرة مخرجون من مختلف الأجيال: يسرى نصرالله وشريف عرفة ومروان حامد وكاملة أبو ذكرى وشريف البندارى وأحمد علاء وغيرهم، وعديد من النجوم يسرا وأحمد حلمى ومنى زكى وهند صبري وعمرو واكد ومنة شلبي، وتحليلي أنه لن يعرض لأن أغلب المشاركين فيه- وبالمناسبة قد تبرعوا أيضا بأجورهم للمساهمة في إنتاجه- تغيرت قناعات جزء كبير منهم، بثورة 25 يناير، وهناك من فقد حماسه.
ويبقى الحديث عن فيلم الافتتاح (فاينال كتْ) القطع الأخير، أو بلغة السينما المونتاج الأخير، وهو ما يستحق مساحة قادمة!!.
المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).