في ذكرى ميلاد النمر الأسود.. كواليس طفولة أحمد زكي
حلت علينا اليوم ذكرى ميلاد النمر الأسود أحمد زكي والذي ولد في مثل هذا اليوم 18 نوفمبر عام 1946 ورحل عن عالمنا 27 مارس 2005.
نبذة عن أحمد زكي
إسمه أحمد زكي متولي عبد الرحمن بدوي، وهو ممثل ومنتج مصري، ولد في مدينة الزقازيق في 18 نوفمبر 1946 وتوفي في عام 27 مارس 2005 وحصل على بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية قسم تمثيل وإخراج عام 1973 بتقدير امتياز.
كواليس طفولة أحمد زكي
في سنوات عمره الأولى، عندما كان أحمد زكي طالبًا في مدرسة الزقازيق الثانوية، كان منطويًا جدًا، يراقب العالم من ركن منزو، كما يقول: كنت أراقب العالم وتراكمت في داخلي الأحاسيس وشعرت بحاجة لكي أصرخ، لكي أخرج ما في داخلي. وكان التمثيل هو المنفذ، ففي داخلي دوامات من القلق لاتزال تلاحقني، فأصبح المسرح بيتي، رأيت الناس تهتم بي وتحيطني بالحب، فقررت أن هذا هو مجالي الطبيعي.
قال أحمد زكي عن بدايات حياته: جئت إلى القاهرة وأنا في العشرين، المعهد، الطموح والمعاناة والوسط الفني وصعوبة التجانس معه، عندما تكون قد قضيت حياتك في الزقازيق مع أناس بسطاء بلا عقد عظمة ولا هستيريا شهرة.
وأضاف: وفجأة، يوم عيد ميلادي الثلاثين، نظرت إلى السنين التي مرت وقلت (أنا سرقت، نشلوا مني عشر سنين) عندما يكبر الواحد يتيمًا تختلط الأشياء في نفسه.. الابتسامة بالحزن والحزن بالضحك والضحك بالدموع، أنا إنسان سريع البكاء، لا أبتسم، لا أمزح.
وعن روتين أيامه، قال: كنت آخذ كتاب ليلة القدر لمصطفى أمين، أقرأ فيه وأبكي، أدخل إلى السينما وأجلس لأشاهد ميلودراما درجة ثالثة فأجد دموعي تسيل وأبكي، عندما أخرج من العرض وآخذ في تحليل الفيلم، قد أجده سخيفًا وأضحك من نفسي، لكني أمام المآسي أبكي بشكل غير طبيعي، أو ربما هذا هو الطبيعي، ومن لا يبكي هو في النهاية إنسان يحبس أحاسيسه ويكبتها.
وأردف: «المثقفون يستعملون كلمة اكتئاب، ربما أنا مكتئب، أعتقد أنني شديد التشاؤم شديد التفاؤل. أنزل إلى أعماق اليأس، وتحت أعثر على أشعة ساطعة للأمل، لدي صديق، عالم نفساني، ساعدني كثيرًا في السنوات الأخيرة، ويؤكد أن هذا كله يعود إلى الطفولة اليتيمة، أيام كان هناك ولد يود أن يحنو عليه أحد ويسأله ما بك».
وعن سنوات عُمره المبكرة، كان يعيش أحمد زكي كأنه في العشرين، كما يصف: وفي العشرين، شعرت بأنني في الأربعين، عشت دائمًا أكبر من سني، وفجأة يوم عيد ميلادي الثلاثين، أدركت أن طفولتي وشبابي نشلا، كانت حياتي ميلودراما من أفلام حسن الإمام.
كان سبب الحُزن في حياة أحمد زكي أصيلًا وكأنه ولد معه، كما يقول: «توفى والدي في السنة الأولى، ولم يكن في الدنيا سوى هو وأنا، تركني ومات، أمي كانت فلاحة صبية، لا يجوز أن تظل عزباء، فزوجوها وعاشت مع زوجها، وكبرت أنا في بيوت العائلة، بلا أخوة.
وأضاف متذكرًا سنوات حُزنه البعيدة: رأيت أمي للمرة الأولى وأنا في السابعة، ذات يوم جاءت إلى البيت إمرأة حزينة جدًا، ورأيتها تنظر لي بعينين حزينتين، ثم قبلتني دون أن تتكلم ورحلت، شعرت باحتواء غريب، هذه النظرة إلى الآن تصحبني، في السابعة من عمري أدركت أنني لا أعرف كلمة أب وأم، وإلى اليوم عندما تمر في حوار مسلسل أو فيلم كلمة بابا أو ماما، أشعر بحرج ويستعصي عليّ نطق الكلمة.
وبعد فترة، اشترك أحمد زكي في مهرجان المدارس الثانوية ونال جائزة أفضل ممثل على مستوى مدارس الجمهورية، حينها سمع أكثر من شخص يهمس، قائلًا: الولد ده إذا أتى القاهرة، يمكنه الدخول إلى معهد التمثيل.
كانت القاهرة بالنسبة للفتى الأسمر مثل الحجاز، في الناحية الأخرى من العالم، السنوات الأولى في العاصمة، كانت سنوات صعبة ومثيرة في الوقت ذاته، حسبما وصفها بـ«من يوم ما أتيت إلى القاهرة أعتبر أنني أجدت مرتين.. في امتحان الدخول إلى المعهد ويوم التخرج.
ويواصل أحمد زكي، قائلًا: ثلاثة أرباع طاقتي كانت تهدر في تفكيري بكيف أتعامل مع الناس، والربع الباقي للفن، أصعب من العمل على الخشبة الساعات التي تقضيها في الكواليس، كم من مرة شعرت بأنني مقهور، صغير، معقد بعدم تمكني من التفاهم مع الناس.
وأضاف: وسط غريب، الوسط الفني المصري، مشحون بالكثير من النفاق والخوف والقلق، أشاهد الناس تسلم على بعضها بحرارة، وأول ما يدير أحدهم ظهره تنهال عليه الشتائم ويقذف بالنميمة، مع الوقت والتجارب، أدركت أن الناس في النهاية ليست بيضاء وسوداء، إنما هناك المخطط والمنقط والمرقط والأخضر والأحمر والأصفر، أشكال وألوان».
وصف أحمد زكي نفسه قائلًا: أنا لا أجيد الفلسفة ولا العلوم العويصة، أنا رجل بسيط جدًا لديه أحاسيس يريد التعبير عنها، لست رجل مذهب سياسي ولا غيره، أنا إنسان ممثل يبحث عن وسائل للتعبير عن الإنسان.
وأضاف: الإنسان في هذا العصر يعيش وسط عواصف من الماديات الجنونية، والسينما في بلادنا تظل تتطرق إليه بسطحية، هدفي هو ابن آدم، تشريحه، السير وراءه، ملاحقته، الكشف عما وراء الكلمات، ما هو خلف الحوار المباشر، الإنسان ومتناقضاته، أي إنسان، إذا حلل بعمق يشبهني ويشبهك ويشبه غيرنا.. المعاناة هي واحدة.. الطبقات والثقافات عناصر مهمة، لكن الجوهر واحد.
وعن الشخصيات التي جسدّها، قال: الشخصيات التي أديتها في السينما حزينة، ظريفة، محبطة، حالمة، متأملة.. تعاطفت مع كل الأدوار، غير أنني أعتز بشخصية إسماعيل في فيلم (عيون لا تنام)، فيها أربع نقلات في الإحساس، في البداية الولد عدواني جدًا كريه جدًا، وساعة ما يشعر بالحب يصبح طفلًا.
وتابع: في عيون لاتنام جملة أتعبتني جدًا، جعلتني أحوم في الديكور وأحرق علبة سجائر بأكملها، مديحة كامل تسأل: (إنت بتحبني يا إسماعيل؟ فكيف يجيب هذا الولد الميكانيكي الذي يجهل معنى الحب، وأي شيء عنه؟ يجيبها: أنا ما عرفش إيه هو الحب، لكن إذا كان الحب هو إني أكون عايز أشوفك بإستمرار، ولما بشوفك ما يبقاش فيه غيرك في الدنيا، وعايزك ليّا أنا بس.. يبقى بحبك.
وعبّر عن المعضلة في ذلك، قائلًا: سطران ورحت أدور حول الديكور خمس مرات لحظة يبوح ابن آدم بحبه، لحظة نقية جدًا، لا بد أن تطلع من القلب، إذا لم تكن من القلب فلن تصل. واحد ميكانيكي يعبر عن الحب، ليس توفيق الحكيم وليس طالبًا في الجامعة، وإنما ميكانيكي يعيش لحظة حب، هذه اللحظة أصعب لقطة في الفيلم.
وفاة أحمد زكي
توفي في القاهرة يوم 27 مارس 2005 إثر صراع طويل للغاية مع مرض سرطان الرئة نتيجة كثرة السجائر التي كان يدخنها، وعولج على نفقة الحكومة المصرية في الخارج، وتردد أنه أصيب بالعمى في أواخر أيامه إلا أنه طلب من المحيطين به التكتم على الخبر.