ذكرى وفاة السيد أبو العلا البشري
عشرون عامًا من الرحيل.. محمود مرسي بين قلب عتريس الحجر والرجل والحصان
الراحل محمود مرسي فنَّان بدرجة فيلسوف، فتى نشأ في أسرة عريقة، درس بإحدى الثانوية اﻹيطالية، ثم التحق بقسم الفلسفة في كلية الآداب بجامعة اﻹسكندرية، ثم سافر إلى فرنسا من أجل دراسة اﻹخراج السينمائي وقضى هناك خمس سنوات كاملة، ثم اتجَّه نحو بريطانيا ليعمل في هيئة إذاعتها الرسمية بي بي سي، حتى وقع العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، فاستقال من عمله وعاد إلى مصر ليعمل في اﻹذاعة المصرية، ثم في التليفزيون المصري ومدرسا للتمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية، حياته بمحطاتها ومراحلها أهَّلته أن يكون نجمًا وفارسًا في ميدان السنيما والدراما، هكذا تجسيدًا لمختلف الشخصيات بخلفية لا تخلو من الأكاديمية ولا تنضب من موهبة.
عام 1962، اختاره المخرج نيازي مصطفى، لفيلم أنا الهارب، والذي كان من إنتاج صلاح ذو الفقار وتأليف عبد الفتاح مصطفي وعبد الحي أديب، في دورعرفان المجرم الهارب، الذي جعل من مشواره السنيمائي الفنِّي بداية وانطلاقة، نحو الظهور في العديد من الأفلام السنيمائية.
برع الفنان السكندري، محمود مرسي في أداء أدوار الشر، خاصة في دور ضابط السجن في فيلم "ليل وقضبان" مع سميرة أحمد ومحمود ياسين، وفي دور "بدران" في فيلم "أمير الدهاء"، حتَّى ظهر بعباءة الرجل الصعيدي، وتقمَّص دور "عتريس" ليقاسم البطولة مع الراحل شادية "فؤادة"، التي هام بطلُنا بها حُبَّا، فعاش في صراع بين الحب والدَّم؛ لينتصر شرُّه على حُبِّبه، وتتغنَّى البطلة بأسى على الحبيب الذي عاش ما عاش بالسطوة والطغيان؛ لينال شرَّ ميتة بأيدي الثائرين، وذلك في فيلم "شيء من الخوف".
وفي مطلع السبعينات، يؤدي البطولة في فيلم فجر الإسلام؛ ليجسِّد رحلة رجل في عهد الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم من ظلام الشرك والطغيان والبعد عن الله، تتوالي عليه الأحداث حتَّى يجد الهدى لقلبه سبيلًا، ويتجسد صراع بين التخلف والتقدم، كما أردا المخرج صلاح أبو سيف أن تكون رؤية تجمع الشكل والمضمون. ثمَّ لم يمُرّْ عام حتَّى ظهر في عمل سنيمائي يحمل اسم "أغنية على الممر" قدَّم فيه شخصية الشاويش محمد الذي يترأس عددًا من الجنود داخل فصيلة مشاة مصرية تم حصارها أثناء حرب 1967 وهم يدافعون عن أحد الممرات الاستراتيجية في سيناء ويرفضون التسليم، يتناول الفيلم مشاعر الجنود أثناء الحصار، وصراع بين الموت صامتين أو العيش بخزي الهزيمة، ثم يتعرضون لهجوم بطائرات العدو ليستشهد ثلاثة منهم.
يشارك بطلنا بعدها في عدد من الأعمال حتى يظهر في عمل، يغيِّر فيه مسار وجهته نحو شخصية القلب الطيب وهو الشاويش طُلبة، داخل عمل يتناول صراع بين الوفاء نحو الصديق "حصان" الدرك وأداء الواجب "الميري" بقتل الحصان العجوز برصاصة الرحمة، حسب وصف المسلسل "الرجل والحصان"؛ لتنتهي مسيرة العمل الدرامي الذي جسَّد الوفاء بين الإنسان والحيوان، بموت الحصان "عنتر"، وتقديم الشاويش طلبة إلى المحاكمة التأديبية، على وقع خلفية صوت "الكينج" محمد منير:
"شريد يا قلبي وانت مليان ضنا وجروح سرقت عمرك وروحك ويا روح ما بعدك روح سارق وانا المسروق وغروبي زي شروق جوايا زنزانة ".
ذكرى وفاة محمود مرسي.. أعمال سلفت هذه المرحلة وتوالت أخرى للراحل محمود مرسي الذي جمع بين السنيما والدراما، ليجسِّد ثراءًا من تشخيص الأدوار، لا سيما المتسلّط، وصاحب النفوذ، والعاشق، وأستاذ الجامعة، والمفكِّر، والقارئ، ورجل المبادئ الباحث عن القيم والحالم بعهد سعيد، أبرزها سنيمائيًا مثل: "سعد اليتيم، والليلة الاخيرة، والباب المفتوح"، ودراما نجحت في أعادة إنتاج وقراءة أعمال ضخمة، مثل بين القصرين وقصر الشوق للأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ، وأخرى مثل: "سفر الأحلام، رحلة السيد أبو العلا البشري، ولما التعلب فات"؛ ليختتم هذه الأعمال بفيلم "الجسر" في عام 1997، والذي ناقش فيه مدّ جسر التواصل بين الأجداد والأحفاد، وإيجاد نقطة مُشتركة تتلاقى فيها الأجيال وتقل فيها الفجوات. ثُمَّ يتوقَّف الفنَّان لينتقل إلى جوار ربِّه في مثل هذا اليوم 24 - 4 - 2004، تاركًا عشرين عامًا من الرحيل، وأربعين عامًا من الاحتراف ومحبَّةِ الجماهير.