عادل حمودة يكتب: في صحة أحمد زكي (4)
تمتلك «الميديا» إمكانيات الانتشار السريع ولكن الظهور المتكرر فيها يفقد النجم تألقه وبريقه ويحوله إلى إعلان عن مسحوق «يغسل أكثر بياضا».
نصحته فى الوقت المناسب أن يعرف متى يظهر؟ وأين يظهر؟ ومتى يغيب؟ ومتى يحضر؟
نصحته بالاحتفاظ بسريته ليترك جمهوره فى المنطقة الفارقة بين الضوء والعتمة أو فى حالة بين التوقع والدهشة.
والحقيقة أن «أحمد زكى» عمل بالنصيحة فلم يعرف الناس عنه الكثير بل لم يعرفوا أهم أسرار حياته الشخصية أو العاطفية.
وانتشرت التساؤلات دون إجابات وتداخلت الشائعات مع الروايات دون اجتهادات.
هل خشى من قوة شخصية «نجلاء فتحى» فلم يتزوجا؟
لم أعط ساعة يده إلى «رغدة»؟
ما الحالة النفسية الصعبة التى عالجه منها الدكتور «أحمد عكاشة»؟
لم كان «وحيد حامد» يعرض عليه سيناريوهات أفلامه ثم يختار «عادل إمام» لتأدية دور البطولة فيها؟
هل كان «عادل إمام» يشعر بالغيرة منه؟ ولم كان يحرص على مشاهدة أفلامه بعيدا عن دور العرض؟ ولم كان يعامله بخشونة فى المناسبات العامة التى كانت تجمعهما مع كبار الشخصيات السياسية؟
لم رفض سيناريو «البيه البواب» وألقى به على الأرض ثم صوره؟
كيف ساهم دون أن يقصد فى إفلاس المنتج والموزع الشهير «حسين القلا»؟
لم ظل يعلق صورة «نجلاء فتحى» على جدران مكتبه فى ٢٠٠ شارع «الهرم» رغم فشل مشروع زواجهما؟
هناك أيضا العديد من الألغاز الأخرى يمكن أن نفك طلاسم بعضها ولكن سنترك البعض الآخر فى طى الكتمان حفاظا عليه.
ورغم أن صداقتنا تمتد منذ السبعينيات إلا أن الخوف الذى عرفه فى طفولته جعله يخشى غدر من حوله فلم يثق فى أحد إلا نادرا ولم يكن على طبيعته مع أحد إلا قليلا بل ربما لم يصادق أحدًا إلا طفيفا.
كانت صداقتنا صداقة مضطربة لم يتجاوز فيها بكلمة ولكنه كان كثيرا ما يبتعد بلا سبب ثم يقترب بلا سبب فلم أناقشه فيما يفعل ومنحته الأعذار المناسبة وغير المناسبة.
كنا نلتقى يوميا ثم أصبحنا نتكلم يوميا وكنا نلتقى أسبوعيا ثم أصبحنا نتكلم أسبوعيا ثم أصبحت اللقاءات والاتصالات حسب ما تيسر.
فى ذلك الوقت كان يلعب أدوارا صغيرة صعد بها السلم درجة بعد أخرى دون أن ينتبه إليه أحد إلا أن تجسيده شخصية «طه حسين» بإتقان مفاجئ تجاوز التوقعات جاء إليه بشحنات من الشهرة هبطت عليه كأنها مائدة من السماء.
وجدت نفسى ابتعد عنه وامتنع عن الاتصال به خشية أن أصدم فيه مثلما صدمت فى شخصيات سياسية وفنية وصحفية كثيرة عرفتها فى بدايتها وساعدتها وساندتها ثم ركبها الغرور عندما وصلت إلى ما تريد بل تنكرت لكل من مد يده إليها ونسيت ما كانت عليه يوم تقربت منا طمعا فى نشر خبر أو الإشارة إليها ولو فى سطر واحد.
لكن التقيت به صدفة فى مطعم سمك «زيفريون» المطل على بحر «أبى قير» فى الإسكندرية هو ووالدة «هالة فؤاد» وكان «هيثم» رضيعا ينام فى عربة أطفال تدفعها جدته.
كنت فى نهاية المطعم وهو فى مدخله لكن ما أن لمحنى عن بعد حتى قفز فوق الموائد تجنبا للزحام حتى وصل إلى المكان الذى أقف فيه واحتضننى بشدة.
ساعتها تأكدت أن جسر الود بيننا لم تقطعه أو تحرقه الشهرة.
وفيما بعد التقينا صدفة مرة أخرى فى جنوب فرنسا وكان ما كان.
وعرف أننى غالبا ما أتناول القهوة كل صباح على مائدة «وحيد حامد» فى «ميريديان» القاهرة فكان يأتى أحيانا ليرانى وهو يحمل كل الجرائد والمجلات التى صدرت فى هذا اليوم ويقلبها بحثا عن أخباره ثم يلقى بها إذا لم يجد شيئا منشورا عنه بل ربما اعتبر المطبوعة التى تخلو من اسمه كأنها لم تصدر مثل كثير من الفنانين الذى يدفعون راتبا شهريا لمن يجمع أرشيفهم فى ألبومات خاصة.
بعد ثلاث سنوات من شهرته بدأت شهرتى بنشر كتاب «اغتيال رئيس» عن حادث المنصة الذى قتل فيه «أنور السادات» وكنت هناك أغطى عرض أسلحة القوات المسلحة بصفتى المحرر العسكرى لمجلة «روز اليوسف» وفيما بعد حضرت محاكمة الجناة وسجلت الحوار الوحيد معهم نشرت «روز اليوسف» أيضا ونقلته وكالات الأنباء.
بدأ نشر الكتاب فى حلقات أسبوعية انفردت بها جريدة «الشعب» المعارضة قبل أن تفقد هويتها القومية وتعبر عن جماعة «الإخوان» فى ظل رئيس تحريرها «عادل حسين».
ولا شك أن الاغتيال بكل ما فيه من أسرار خفية شد الانتباه إلى الكتاب وأثار الفضول نحوه فالتهمت الأسواق طبعات متلاحقة منه فى زمن قياسى غير مسبوق فى مصر خاصة أنه كان أول كتاب عن الحادث الذى هز الدنيا وصدمها.
لكن ما علاقة «أحمد زكى» بالكتاب؟
ذات مساء كان عائدا إلى فندق «هيلتون رمسيس» بعد سهرة فى وسط القاهرة قضاها مع زميل يسكن فى شارع «طلعت حرب» وهناك وجد بائع صحف يرفع فى يده الكتاب فطلب شراء نسخة منه ليضمها إلى المراجع التى يجمعها عن «السادات» الذى كان يحلم بتجسيد شخصيته فى فيلم.
لكن المفاجأة أنه وجد اسمى على الكتاب فلم يتردد فى شراء كل ما لدى البائع من نسخ بل أكثر من ذلك توقف لتوزيعها على المارة وراكبى السيارات فرحا وتشجيعا لصديق قديم من أيام المعاناة.
ولكن قبل أن ينتهى من توزيع آخر نسخة وجد سيارة شرطة تتوقف بالقرب منه وينزل منها ضابط برتبة نقيب أمر بالقبض عليه بتهمة التحريض على العنف وذهب به إلى نقطة «قصر النيل» وهناك اتصل بى تليفونيا وكانت الساعة تشير إلى الثالثة صباحا.
تصور الضابط الذى لم يتعرف عليه أنه يوزع منشورا سياسيا ممنوعا فيه كل عناصر قضايا أمن الدولة (اغتيال ورئيس وجهاد ومنصة) فى وقت كانت فيه الجماعات الإسلامية تواجه النظام القائم بعمليات إرهابية ومنشورات تكفيرية وسيارات مفخخة.
لم يكن من الصعب إثبات أن الكتاب يحمل اسم ناشر وعنوانه ورقم إيداع فى دار الكتب وأن ما فعل «أحمد زكى» ليس إلا تحية لصديق تعاهد معه على أن يفرح كل منهما لنجاح الآخر.
وما أن جاءت إشارة البراءة تليفونيا من الجهة المختصة حتى نظر الضابط إليه قائلا:
ــ على فكرة أنا عرفتك من مسلسل طه حسين لكن قلت لنفسى يمكن هو شخص آخر غير أحمد زكى.
قال «أحمد زكى»:
ــ يا أخى نشفت دمى روح ربنا يسامحك.
وخرجنا نتمشى معا حتى وصلنا إلى فندقه وكان أول ما طلبه لنا فنجانين من الكابتشينو.
فى ذلك الصباح كشف لى عن حكاية السحابة التى شعر بها على عينيه بعد الانتهاء من تجسيد شخصية «طه حسين» وكيف داخ فى علاجها حتى كشف سرها الدكتور «أحمد عكاشة».
كما أنه أصيب بانتفاخ فى القولون خلال تمثيل فيلم «زوجة رجل مهم» وحار فى حالته الدكتور «على المنيلاوى» استشارى الجهاز الهضمى وراح يسأله عن حياته اليومية حتى توصل إلى أنه يعانى من متاعب بطل الفيلم ضابط أمن الدولة بعد إحالته للتقاعد ووعده أنه سيشفى بمجرد الانتهاء من التصوير.
كانت مثل هذه الحوادث بداية الأعراض المرضية التى عانى منها بسبب الاندماج فى الشخصيات التى يمثلها خلال التصوير وبعد الانتهاء منه.
والحقيقة أنه لم يعان منها وحده وإنما عانى منها كل من لعب دور بطولة أمامه.
سمعت من «نبيلة عبيد» أن تقمص «احمد زكى» للشخصيات كان «مخيفا».
مثلت معه ثلاثة أفلام (التخشيبة وشادر السمك والراقصة والطبال) ولكنها فى المشاهد التى تتعرض فيها للضرب منه فى فيلم «شادر السمك» خشيت أن ينفذها بجدية وهو مندمج فى الشخصية ورغم مخاوفها وتحذيراتها إلا أنها تلقت منه ضربة قوية أحدثت جرحا فى فمها لم ينقذها منها المخرج «على عبد الخالق».
ولا تنسى «ميرفت أمين» المشاهد الأخيرة فى فيلم «زوجة رجل مهم» حين شدها من شعرها فى ممر الشقة وضربها بعنف كاد أن يفقدها السمع وجلست تلتقط أنفاسها أكثر من ساعة وهى ترتعش من الصدمة.
وتكرر الموقف مع «نجوى إبراهيم» فى فيلم «المدمن» حيث تعرض «أحمد زكى» إلى حالة من الانفعال الشديد أدى إلى ارتطامه بحائط صلب انتهى إلى إصابته وكان عليه بعدها أن يوجه إلى «نجوى إبراهيم» ضربة قوية ولكنها هربت ولجأت إلى المخرج «يوسف فرنسيس» ترجوه إلغاء المشهد لكنه طمأنها بإنه سيمر بسلام.
أوقف المخرج التصوير ساعتين حتى خرج «أحمد زكى» من الحالة وبطريقة فنية لا يلاحظها المشاهد وجه إليها الضربة دون إصابة.
والحقيقة أن «أحمد زكى» فى ذلك الفيلم أتقن دور المدمن حتى استغل خصومه ذلك بشائعات سيئة غير صحيحة بالمرة عن إدمانه.
سألته:
ــ هل الاندماج إلى حد المرض ضرورة؟
أجاب:
ــ أنا أفعل كل ما يجب لنجاح الشخصية.
فى فيلم «البيه البواب» انتظرت «رجاء الجداوى» إشارة المخرج «حسن إبراهيم» حتى تفتح الباب لتجد «أحمد زكى» أمامها لكنه لم يصل فى اللحظات المتفق عليها لأنه كان يصعد السلم دورين حتى تكون حركة أنفاسه طبيعية.
وكان يمسح البلاط بجدية أمام الكاميرا وصور المشهد عشر مرات ليبدو طبيعيا.
لم يكن لدى «أحمد زكى» فى حياته شيئا أو شخصا منحه كيانه مثل السينما وحتى اللحظات الأخيرة فى حياته كان يؤمن بأنه لم يقدم شيئا يرضيه ولكن دفع ثمن هذا الشعور من جهازه العصبى.
إن لكل إنسان مهنة مرهقة يهرب منها أحيانا إلى هواية تريحه وتسعده وتنسيه التعب.
الطبيب يمكن أن يهرب من أوجاع المرضى بمشاهدة السينما والمهندس يمكن أن يهرب من صداع الماكينات بسماع الموسيقى والمصرفى يمكن أن يهرب من شروط الائتمان وسعر الفائدة بالسهر فى المسرح مثلا.
لكن مشكلة «أحمد زكى» أن هويته هى مهنته فهو يهرب من النار إلى الرمضاء.
ما يسعده هو ما يشقيه.
وما يهرب منه يجده فى انتظاره.
مشكلته أن التمثيل مزروع فيه مثل خنجر من الحديد الساخن اخترق لحمه دون أن يعرف حدود الطعنة وحدود الخنجر فهما معا أصبحا شيئا واحدا.
فى البرنامج الذى قدمته عنه قال المخرج «على بدرخان»:
ــ كان «أحمد زكى» يخطئ بشدة فى تقمصه للشخصيات التى يمثلها ويعيش معها وهو فى البلاتو وخارجه وغالبا ما تستمر معه شهرًا أو شهرين بعد انتهاء التصوير مما أثر عليه تأثيرا مرضيا.
ويروى «فؤاد معوض» أنه كان بصحبة الفنان «حسن مصطفى» فى الإسكندرية ذات شتاء عندما قررا الجلوس على مقهى «محطة مصر» فى «محطة الرمل» وبينما «حسن مصطفى» يركن سيارته فاجأه قائلا:
ــ تصور يا حسن إن جمال عبد الناصر جالس فى القهوة مع ناس.
ــ أنت خرفت جمال عبد الناصر مات من زمان.
عندما اقتربا منه وجدوه «أحمد زكى» وكان عائدا من تصوير مشهد تأميم قناة السويس فى فيلم «ناصر ٥٦» لكنه ظل مندمجا فى الشخصية حتى وهو جالس على الرصيف.
هنا أتذكر أننى عندما عرفت أنه سيمثل دور «عبد الناصر» رجوته أن يتراجع عن الدور فهو لا يماثل طول «عبد الناصر» ويصعب عليه تقليد قوة نظراته التى لا يقدر على مواجهتها أحد.
ولم أكن الوحيد الذى حذرته من الدور وإنما سبقتنى «شهيرة» التى نصحته بأن يكتفى بتمثيل «أنور السادات».
لكن للإنصاف لم يكن خوفنا فى محله.
أدى «أحمد زكى» الدور ببراعة تصل إلى حد الإعجاز وخيب كل الظنون.
كيف طال «أحمد زكى» حتى لحق بقامة «عبد الناصر»؟
كيف انحنى قليلا وهو يمشى مثله؟
كيف توصل إلى نغمات صوته؟
كيف عبر عن مشاعره المتناقضة بين الخوف والتحدى فى الخطبة التى ألقاها على منبر جامع الأزهر؟
لا أحد يعرف الإجابة سواه.
كان يؤمن بأن رئيس الجمهورية فى النهاية إنسان وموظف بدرجة رئيس جمهورية ولكن المشكلة أنه مسئول عن شعب بأكمله ويأخذ القرارات المصيرية نيابة عنه وهنا يكون الخوف من أن تكون النتيجة غير ما تصور أو غير ما توقع وبهذا الفهم أخرج «أحمد زكى» ما فى أعماق «عبد الناصر» فى هذه اللحظات الصعبة التى تلت تأميمه القناة.
بنص كلماته قال «أحمد زكى»:
ــ بعد ما انتهيت من تصوير مشهد خطابه فى «الأزهر» كدت أقع من على سلم المنبر بعد أن حملت هم «عبد الناصر» وهو خائف على البلد وفهمت وأنا أراجع الخطاب قبل تصويره أنه كان فى قمة قوته لأنه يشعر أنه صاحب قضية عادلة وعنده الحق فيما فعل وفى الوقت نفسه كان فى قمة ضعفه من شدة خوفه على البلد الذى قد يعاد احتلاله فى مؤامرة شاركت فيها ثلاث دول وبين قمة القوة وقمة الضعف كان يتلمس من الناس الدعم وفى الوقت نفسه يتوجه إلى الله بالدعاء.
كان سيناريو فيلم «ناصر ٥٦» قاصرا على مسافة زمنية محددة لم تتجاوز حدود التفكير فى تأميم القناة والترتيب لتأميمها ثم إعلان تأميمها وتداعيات تأميمها فلم يكن أمام «أحمد زكى» تجسيد مواقف متعددة اتخذها «عبد الناصر» فى أزمنة مختلفة.
لعب دور «عبد الناصر» فى الدراما العديد من الممثلين هم «خالد الصاوى» فى فيلم عن الرئيس الراحل صنعه المخرج السورى «أنور قوادى» و«ياسر المصرى» فى الموسم الثانى من مسلسل «الجماعة» و«مجدى كامل» فى مسلسل «العندليب» و«محمود الخولى» فى فيلم «أيام السادات» و«جمال سليمان» فى فيلم «صديق العمر» ولكن لا أتصور أن أحدا اقترب من أداء «أحمد زكى».
كانت أدوارهم أسماك من زجاج فقدت عنصر الدهشة التى ألقى بها فى وجوهنا «أحمد زكى».
أبديت إعجابى بفيلم «ناصر ٥٦» كتابة فى «روز اليوسف» ولكن بعد عدة صفحات هاجم «طارق الشناوى» الفيلم وفوجئ بنشر مقاله لكنها الحرية التى أؤمن بها.
لكن للإنصاف كانت شخصية «السادات» التى أداها أكثر تنوعا بعد أن تعرض السيناريو لمراحل متباعدة من حياته فى طفولته وتخرجه فى الكلية الحربية واتهامه بالتجسس والاغتيال وزواجه من «جيهان» وثورة يوليو وسفره إلى القدس وأخيرا حادث اغتياله.
والمعروف أن سيناريو هذا الفيلم بالذات تعرض لتغييرات لا حصر لها وشارك فيه عدد من الكتاب لم تكتب أسماؤهم على الفيلم الذى بدا مفككا فى النهاية ويكاد يكون عملا تسجيليا جسد أبطاله مشاهده الواقعية.
على أن «أحمد زكى» أظهر براعة غير مسبوقة فى تجسيد الشخصيات التاريخية لم يصل إليها ممثل فى هوليوود نفسها خاصة الذين لعبوا دور «السادات» فى الأعمال التى قدمت عنه وأهمهم الممثل الأسمر «لويس جوست جونيو».
بدا «أحمد زكى» مذهلا بالفعل وهو يجسد شخصية «السادات» حتى أن السيدة «جيهان» تسمرت فى مكانها عندما وجدته يجلس على حجرة المكتب يدون الملاحظات كما كان زوجها يفعل كل صباح قبل الذهاب إلى قصر عابدين.
كان هذا المشهد هو أول مشهد صور فى بيت «السادات» وسط تعجب العاملين فى البيت ودهشتهم وردد بعضهم آيات من القرآن خشية أن يكون الشيطان هو الذى يتجسد لهم فى هيئة «السادات» واستعاذوا بالله منه.
هناك فى البيت نفسه الذى شهد أحداثا وشخصيات تاريخية وقعت أعنف مشكلة بين «أحمد زكى» و«محمد خان» سمعت تفاصيلها من صديقه وطبيبه «حسن البنا قاسم».
قال:
ــ وقفت جيهان الابنة الصغرى للسادات تروى لـ«محمد خان» كيف جاء الطباخ بفرقة مزمار صعيدى احتفالا بقدوم الرئيس من إسرائيل بعد رحلته الشهيرة إلى هناك فى ١٩ نوفمبر ١٩٧٧ فإذا بالسادات يمسك عصا ويرقص على باب البيت وأعجب «محمد خان» بالمشهد وكان عنده حق فلم يسبق لأحد أن عرف هذه الواقعة كما أن رئيس دولة يشارك فى فرحة العاملين فى بيته رقصا لا بد أن يلفت النظر ويثير الجدل إذا ما ظهر فى الفيلم.
ولكن ما أن سمع «أحمد زكى» تفاصيل المشهد حتى غضب صارخا:
ــ هل تريد أن يصبح السادات مثل شكوكو؟
ثم راح يمزق صفحات من السيناريو وهو فى حالة عصبية لا مبرر لها وعندما اقترب منه «محمد خان» ضربه فى صدره بقوة فوقع على «كنبة» كانت خلفه وتدخل سكرتيره فإذا به يتلقى هو الآخر لكمة فى وجهه ولم يجد «محمد خان» مفرا من الهروب من المكان وتعطل التصوير شهرا ونصف الشهر مما ضاعف من خسائر منتجه أحمد زكى نفسه.
لم يهتم «أحمد زكى» بالخسارة فهو ليس رجل أعمال ينتج فيلما ليكسب من ورائه الملايين وإنما هو نجم مريض بالتمثيل يصر على فيلم رفضه المنتجون الآخرون خشية مقاطعته فى البلاد العربية كما قوطعت مصر بعد زيارة السادات للقدس ونقلت الجامعة العربية منها إلى تونس.
وصف «على سالم» هذه الحالة بأنها الغريزة الدرامية القوية التى انفرد بها «أحمد زكى».
كيف؟
أجاب:
ــ لم يكن يقتنع بالسيناريو إلا بعد أن يراجع كل كلمة فى كل مشهد حتى إننى كتبت سيناريوهات سبق أن وافق عليه من أوله إلى آخره.
يقصد «على سالم» على سبيل المثال فيلم «البيه البواب».
الفيلم كان سيقوم ببطولته «عادل إمام» واتفق فعلا مع منتجه «فايز واصف» ولكن سرعان ما اختلفا بعد أن رفض «عادل إمام» مخرج الفيلم «حسن إبراهيم» وأصر على أن يخرجه «محمد عبد العزيز».
حمل الماكيير «محمد عشوب» السيناريو إلى «أحمد زكى» فى لوكيشن تصوير «زوجة رجل مهم» ولكن فوجئ به يلقيه على الأرض قائلا:
«إنه لا يأخذ فضلات أحد».
كانت عقدة النجوم فى مصر أن لا يمثل أحدهم فيلما سبق أن اتفق عليه ممثل آخر ولكن القاعدة هنا أن الفيلم ما لم يبدأ تصويره فإن السيناريو يظل حرا لا يرتبط بأحد ويظل الكلام عن أبطاله مجرد أخبار.
اقتنع «أحمد زكى» بالدور ولكن اشترط أن يكتب السيناريو «على سالم» الذى وافق بشرط أن لا يضع اسمه عليه احتراما لكاتبه الأصلى «يوسف جوهر».
لكن الملفت للنظر أن «أحمد زكى» رغم تأدية دور «عبد السميع» البواب الطموح ببراعة فإنه لم يستمر فى تقمص الشخصية بعد انتهاء التصوير كما حدث من قبل فى فيلم «ناصر ٥٦» وكما سيحدث فيما بعد فى فيلم «أيام السادات» فهل كان يقصر تقمصه على الزعماء فقط؟
يروى سكرتيره الشخصى «محمد وطنى» أنهما كانا فى «السوق الحرة» عندما ألحت سيدة على زوجها أن تذهب إليه وتصافحه واعترض زوجها ولكن أمام إصرارها لم يجد مفرا من الموافقة ولكنها فوجئت به يصافحها بأسلوب لا يخلو من التعالى فانسحبت مصدومة لتتلقى تأنيب زوجها.
عاتبه «محمد وطنى» على ما فعل.
عاتب نفسه قائلا:
ــ إنه السادات ولست أنا.
وبحثا عن السيدة ليعتذر لها وأسعدها ما حدث وهى تنظر إلى زوجها نظرة ذات معنى.
وذات يوم من أيام تصوير فيلم السادات جاءت السيدة «جيهان» لتزوره ودخل معها «محمد وطنى» و«سمير عبد المنعم» ولكن عندما رآهم «أحمد زكى» قال وكأنه «أنور السادات»:
ــ إيه اللى جابكم امشوا اطلعوا بره.
اندمجت «جيهان السادات» فى المشهد قائلة:
ــ سلامتك يا أنور.
كان الاثنان بارعان فى التمثيل لكن هو بحكم موهبته وهى بحكم تجربتها.
ومن قال إن السياسيين لا يمثلون؟
بل هم يكتبون السيناريو بأنفسهم قبل أن يجسدوه؟
وربما كانوا فى أفضل حالاتهم وهم مندمجون فى أدوارهم.
محمد خان
مفاجأة فجَّرتها ابنة
السادات: أبى رقص علــــــى مزمار بلدى بعد عودته من رحلة القدس
كتابى «اغتيال رئيس» تسبب فى القبض عليه فى وسط القاهرة
ضعف بصره بعد تمثيل «طه حسين» وانتفخ القولون بعد فيلم «زوجة رجل مهم» وجلس فى المنشية وكأنه جمال عبد الناصر
لمَ خافت نبيلة عبيد وميرفت أمين ونجوى إبراهيم على حياتهن منه؟.