رامي المتولي يكتب: "وراء الجبل" و"الما بين" أفلام تبحث عن الهوية حصدت جوائز مهرجان "الإسكندرية للبحر المتوسط"

الفجر الفني

رامي المتولي
رامي المتولي

 


انتهت فعاليات الدورة الـ40 من مهرجان الإسكندرية السينمائى لدول البحر المتوسط بحصد عدد من الأفلام للجوائز الممنوحة من المهرجان، وأبرز هذه الأفلام الفيلم المغربي "وراء الجبال" الذي نال جوائز أفضل ممثل لمجد مستورة، وكذلك جائزة الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما لأفضل فيلم عربى طويل، والفيلم التونسي "الما بين" والذي نال جائزة أفضل ممثلة لأمينة بن إسماعيل وجائزة أفضل فيلم عربي.

هذان الفيلمان هما الأفضل وسط المعروض خلال فعاليات المهرجان وحصدهما للجوائز الأهم من لجنتي التحكيم هو أكبر دليل على ذلك، خاصة وأن موضوعاتهما يمسان بشكل رئيسي أزمات هوية ووجود بمفاهيم وعرض شديد القرب من المشاهد العربي، حتى وأن كانت تفاصيل هذه الأفلام تضعهم في مصاف البعد عن الواقعية بشكل كبير، فليس من الطبيعى أن نقابل في حياتنا اليومية رجل يطير ويعانى في إثبات قدرته على الطيران لأسرته، ونفس الشيء مع شخص ثنائى الجنس أو Intersex وهو الشخص الذي يولد بأعضاء تناسلية ذكورية وانثوية في نفس الوقت.


"وراء الجبل" يبدأ بلغز، حيث يظهر رفيق (مجد مستورة) وهو منفعل ويتوجه لأجهزة الشركة وبدمرها بعصا في نوبة غضب، يتم القبض عليه بعدها ويرفض الكلام وتبرير أفعاله الأمر الذي يؤدى به إلى السجن، يليه محاولة انتحار أو هكذا نراها في بداية الفيلم قبل أن نقترب من الشخصية الرئيسية ونتابع الرحلة التي خاضها، وكأنها رحلة سحرية ضمت أبنه ورفيق سفر قابله في هذه الرحلة.


يحسب للفيلم اختيار أماكن تصوير طبيعية تظهر جمالها، حيث ابرز التصوير هذه الأماكن وربطها بالأحداث بشكل مباشر في السيناريو وجعل لها أهمية كمعادل بصري في حديث الأب مع ابنه ياسين، حيث تعد منطقة الجبال هى الوسيلة الوحيدة التي لجأ أليها الأب ليثبت لأبنه بعد حبسه في السجن لأربع سنوات، بقدراته الخاصة، على أن يقوم الأبن بإبلاغ والدته الناقمة على زوجها بسبب سلوكه الغير مبرر والذي دمر عائلته ومستقبله.


بساطة الفيلم هى جزء من قوته، تعبيره الأكبر عن علاقة الأبن والأب، أحلام أشخاص بسيطة فُرض عليهم أن يكونوا على الهامش ملفوظين من المجتمع، الأب يعانى من رفض زوجته ووالديها بعد خروجه من السجن، ومنعه بشكل مباشر من رؤية أبنه، الأمر الذي يورطه في مشاكل ومخالفات قانونية أكبر وتتزايد مع الوقت، لنخرج من القصة برمزية الطيران وكأنها رغبة من الأب بأن يتسامى عن كل مشاكله ويرتفع مع ابنه لعنان السماء.


الواقع المرير لشخصية رفيق يعكس شخصية مريض نفسى كل من ضغوط الحياة ويحاول التنفيث عن غضبه، ولم يهتم الفيلم بابراز الأسباب التي أدت لذلك ليعد بذلك مثله مثل أي شخص أودت به الظروف إلى الأنفجار، وتصبح مسألة الطيران الخارقة للطبيعة هى قضية خلافية تخدم في الحقيقة الرمزية لا غير.


إذا كان الواقع اختلط بالخيال إلى أقصاه، نعود قليلًا إلى أرض الواقع بأزمة هوية أخرى في فيلم "الما بين" ورحلة شمس في أكتشاف ذاتها وهويتها، حيث تعانى من حالة نادرة وهى ثنائية الجنس، ففى الوقت الذي تعيش في قريتها الصغيرة بهوية أنثوية وتعمل مع والدتها كخياطة، وواقعة في قصة حب تربطها بأحد شباب القرية، تعانى من مضايقات شاب أخر من أشقياء القرية وهو من يكشف ازدواج هويتها مما يدفعها للهرب إلى رحاب العاصمة تونس، حيث تجد في المدينة مشاكل ودعم وتفاصيل حياتية تقودها لطريق إكتشاف الذات.


أبرز عناصر الفيلم هو الأداء التمثيلي واختيار أمينة بن إسماعيل لدور البطولة، خاصة وأنها جسدت بقوة الازمات النفسية المصاحبة لوضعها الجسدى وحيرتها ما بين كونها انثى واقعة في الحب، وبين تحولها لذكر واستحقاق للعديد من الامتيازات.. وكلا الأمرين يتطلبان تضحيات.


جسدت أمينة المعاناة بشكل متفوق وساعد على ذلك حيادية ملامحها التي ساعدت بشكل كبير في نقل حالة التردد بين حقيقة جنسها، ودعم السيناريو هذه الحالة بميولها ناحية الجنسين عاطفيًا، كل هذا يضع المشاهد في حالة الحيرة والتخبط مثلنا مثل الشخصية الرئيسية، وكل هذا مغلف بغلاف صوفى داعى للتسامح وتقبل الأخر بلا شروط.


رحلة شمس ليس شرطًا أن تكون مرتبطة بحالة الشخصية، قدر ما هى مرتبطة برحلة أي شخص لإكتشاف ذاته وهويته، ولا يقتضى الأمر بالضرورة أن تكون هذه البحث في إطار هوية جنسية، بل تتخطاها لكسر القيود المجتمعية والضغوط الناجمة عن العيش في أي مجتمعات سواء صغيرة ريفية أو كبيرة في المدينة، فالفيلمان معًا يمثلان هذه الحالة بكل الضغوط التي واجهت رفيق وشمس ودفعت كلا منهما إلى رحلته.