طارق الشناوي يكتب: القشة التي تعلق بها مصطفى قمر!!
في الأيام الأخيرة شاهدت لمصطفى قمر أكثر من حوار تليفزيوني وقرأت له أكثر من حوار صحفي واحتل العديد من أغلفة المجلات، ودائما كان العنوان أخيرا مصطفى قمر حقق حلمه، سارعت بمشاهدة الفيلم أو الحلم فور عرضه، وأدركت بعدها أنه من الصعب أن يقاوم في البقاء أكثر من أسبوعين، إلا أن إيقاع هزيمة الفيلم كانت أسرع رقميا مما توقعت، وغادر أغلب دور العرض بعد أيام، وبدلا من أن يردد مصطفى ((فين قلبي)) أخذ يعدد ((فين فيلمي)).
لو أن مصطفى قمر
كان في ذروة نجاحه كمطرب من المؤكد سيحقق رقما معقولا في الشباك مهما كان مستوى الفيلم،
ولكنه يعيش الآن في مرحلة ما قبل الأفول، ولم يعد لديه جمهور ينتظره كمطرب، فهل من
الممكن أن يعثر على من ينتظره كممثل؟!.
مع بدايات مصطفى
في التسعينيات كان مبشرا جدا وحقق جماهيرية، كمطرب سكندري قادم للقاهرة، وكالعادة التقتطه
السينما، وكان أيضا لديه طلة مريحة، وقدم عددا من الأفلام مثل ((البطل )) و((صحاب ولا
بيزنس)) و((حريم كريم)) و((حبك نار)) و((عصابة الدكتور كريم)) وغيرها كان ورقة رابحة
على مكاتب المنتجين، لم يحقق النجومية الطاغية، إلا أن إيراداته كانت مشجعة لاستمراره
بطلا بمعدل يصل إلى فيلم كل عام، ثم بدأ يخبو الضوء، وعاد بفيلم ((جوه اللعبة)) قبل
خمس سنوات إلا أنه لم يعد يشكل ورقة جذب، بينما صعد مطرب آخر وهو تامرحسني، يسانده
جمهور غفير كما أن لديه موهبة فن الأداء، وكأنه يشغل نفس المساحة التي كان قابعا فيها
مصطفى.
ولكنه ليس مأزق
مطرب فقط بقدر ما هي حالة تعيشها السينما الغنائية، التي دفعت مثلا مطربا بحجم عمرو
دياب للغياب أكثر من 20 عاما عن السينما، ولايزال يتحسس منذ سنوات بعيدة خطوات العودة،
فهي مغامرة بكل المقاييس، الزمن تغير صرنا نجد المطرب متاحا أكثر مما ينبغي في الفضائيات،
ومن خلال أغنية ((الفديو كليب)) فما الذي يغرى الجمهور للذهاب لدار العرض، المطرب في
الماضي كان يكفي أن يراه الناس على الشاشة، وليس مطلوبا منه أكثر من أن يغني أمام الكاميرا.
سوف أضرب لكم مثلا
بفيلم ((أنت حبيبي)) شاهد فريد الأطرش الفيلم بالصدفة في المعمل قبل طرح النسخة، سألهم
عن زمنه قالوا له أقصر من الفيلم الذي سبقه ب7 دقائق، فقال سوف نضع أغنية في الأحداث
تملأ المساحة كلها، فكانت رائعة ((زينة والله زينة)) التي تجمع بين صوتي فريد وشادية
ورقص هند رستم، والمخرج العبقري يوسف شاهين يخلق إيقاع جاذب للقطات وبالفعل كان واحدا
من أكثر الأفلام جماهيرية في تاريخ فريد، لا أحد كان يسأل عن الأغنية، ولماذا قيلت
وكيف أضيفت؟، المهم أن هناك مطربا ومطربة فما بالكم وهناك رقص هند رستم، فلم يكن المطرب
في تلك السنوات قبل البث التليفزيوني 1960 متاحا، سوى في الحفلات الغالية الثمن بالقياس
بالطبع بثمن تذكرة السينما، من هنا من الممكن أن تعثر على السبب الحقيقي لهذا الغياب
الدائم للمطربين عن شاشة السينما، والحضور الخافت لعدد منهم بين الحين والآخر.
هل نعتبر ((فين
قلبي)) نوع من ((نوستالجيا)) الحنين للماضي، التي تهف على قلوبنا من خلال تذكيرنا برائعة
المطرب محمد فوزي، ربما ولكنها لا تكفي لصناعة فيلم جيد، البطل لديه إصرار على التواجد
داخل الساحة رغم إدراكه أن الظرف لم يعد ملائما، فقرر أن يشحذ كل ما لديه وأيضا ما
لدي أصدقائه، تعود البيت المصري عندما يكون بصدد حفل أن يستعير من الجيران بأحسن ما
لديهم، ليبدو أمام الضيوف على ((سنجة عشرة))، وهكذا لم يكتف قمر بالمشاركة في الكتابة
والإنتاج ولكنه استعان بقسط وافر من زملائه مثل حميد الشاعري وحمادة هلال ومدحت صالح
وعزت أبوعوف ويحيي الموجي، لتقديم مشاهد، غير مترابطة على اعتبار أنهم باقة من النجوم،
تؤدي لزيادة مساحات الاهتمام والترقب، هذه هي عوامل الجذب المساعدة بينما العامل الرئيسي
مفروض أنه قمر، وأضاف أيضا الجميلتين يسرا اللوزى وشيري عادل، ولا ننسي صديق البطل
الدائم في كل الأعمال الدرامية إدوارد.
يعمل قمر في جاليري
للآلات الموسيقية، منحه مبرر درامي لكي يلتقي في مواقف متعددة مع كل ضيوف الشرف الذي
جاملوه تباعا بالتواجد لقطات في الفيلم.
بالتأكيد تذيل
الفيلم الإيرادات وإغلاق عدد من الشاشات وفتحها لأفلام أخرى لم تكن رغبة من شركات التوزيع
لضرب قمر، أو للعمل لحساب آخرين، ولكن هذا هو نصيب الفيلم الحقيقي من الجماهيرية، ما
الذي من الممكن أن يفعله المخرج إيهاب راضي؟، هذا النوع من الأفلام يخضع ترمومتر نجاحه
بنسبة كبيرة على قدرة البطل على الجذب الجماهيري، وقمر لم يعد لديه ما يمنحه للجمهور،
مصطفى أحد المطربين الذين ظهروا بعد عمرو دياب ولم يستطع أن يتطلع لمساحة إبداعية خاصة،
ولكنه كان أشبه بتنويعة غنائية على تيمة رئيسية اسمها ((عمرو دياب))، يذكرني قمر بمسيرة
مطرب ارتبط أيضا بالإسكندرية في نهاية الخمسينيات، وهو ((عبداللطيف التلباني))، ظهر
التلباني في عز نجومية عبدالحليم حافظ ولم يستطع أن يجد لنفسه مساحة خاصة لأنه أراد
محاكاة حليم، وفي النهاية أنتج التلباني بالفعل لنفسه فيلم ((درب اللبنانة)) في محاولة
لاستعادة الجمهور دون جدوى، الفنان في تلك المرحلة يصبح مثل غريق يبحث عن قشة، ولا
يدرك أن الجمهور إذا خرج لا يعد.
إنها الرحلة التي
يعيشها الفنان في سنوات الانحسار، لكل زمن نجومه وإيقاعه..... و((فين قلبي)) ...
((فين فيلمي))!
المقال نقلًا عن "المصري اليوم"