طارق الشناوي يكتب: (برافو) يا رشوان!
هكذا قال الإمام محمد متولى الشعراوى للفنان الكبير رشوان توفيق، عندما شاهده فى أحد المسلسلات التاريخية، جاءت هذه الجملة ضمن حوار شامل أجرته الزميلة زينب عبداللاه على صفحات جريدة (اليوم السابع)، الفنان الكبير يتباهى بكلمة الشيخ ويراها وسامًا على صدره، ودليل قاطع على إباحة الفن، وهو ما سبق أن أعلنه نقيب الممثلين د. أشرف زكى (الرئيس السابق لأكاديمية الفنون) أثناء أزمة حلا شيحة وتبرؤها من مشاهدها الرومانسية مع تامر حسنى فى فيلم (مش أنا)، فقال إن الشعراوى أباح التمثيل، وكأن الأستاذ الأكاديمى ينتظر رأى الشيخ.
كثيرا ما تقرأ مثلا أن حسن يوسف سأل الشعراوى أعتزل؟ أجابه أبدا واصل الفن، علمت الشباب الشقاوة، علمهم الآن التقوى، وبعدها أصبح يحمل لقب الممثل (الملتزم)، وهو ما حدث مع حسن عابدين عندما جاءه يبكى بعد عودته من الحج، بعد أن لاحظ نفور البعض منه، عندما اكتشفوا أنه (المشخصاتى) فطلب منه أن يواصل الفن بأسلوب الوعظ والإرشاد.
لو عدت إلى الشيخ محمد الغزالى ستعثر له فى مجال الفن على أكثر من مقولة مثل (أستمع إلى أم كلثوم وهى تغنى ولد الهدى ولا أستمع إلى عبدالوهاب وهو يردد ليلنا خمر)، وجدوا فى كلمة الغزالى إباحة لصوت المرأة، ولهذا تحمسوا لها، لو عدت لأول أفلام أنور وجدى كمخرج (ليلى بنت الفقراء) ستستمع إلى (دويتو) بين بطلة الفيلم ليلى مراد والشيخ زكريا أحمد (المولد) غنت فيه ليلى للسيدة الطاهرة (زينب) عام 1945، وكانت لاتزال يهودية، بينما مثلًا بعد أن أشهرت إسلامها غنت مع نجيب الريحانى (علشانك إنت أنكوى بالنار وألقح جتتى)، فهل نطبق عليها فى المرتين معيارنا الدينى.
شيوخنا الأجلاء بعضهم يحلل الفن ويبيحون أيضا صوت المرأة فى الغناء، الإباحة من خلال زاوية رؤية دينية وأخلاقية مباشرة، وكأن الإبداع يقف على الشاطئ الآخر من الدين والأخلاق، الفن فى عمقه دعوة للإحساس بالجمال، وهى أرقى المشاعر الإيمانية، التى يسعى إليها البشر أجمعين.
وما الجمال إلا من الله (الله جميل يحب الجمال)، خطورة الاستناد إلى آراء الشيوخ، إنها مرة ليك وعشرة عليك، الالتزام بأفكارهم هو الخنجر، الذى تسيل به دماء الفن.
ندم مثلًا حسن عابدين على العديد من أعماله الفنية، وطالبت شمس البارودى بحرق أفلامها، بينما حسين صدقى حرق بالفعل عددًا من أفلامه، شاعر الرومانسية أحمد شفيق كامل أقلع عن كتابة الأغنيات العاطفية بعد لقائه مع الشعراوى، ولم يكتف بهذا القدر بل أعاد تفسير أغانيه مثل (إنت عمرى) باعتبارها صوفية فى حب الله.
الفنانة شادية كانت فى طريقها بعد اعتزالها لتسلم جائزتها التقديرية من مهرجان القاهرة، إلا أن هناك من أقنعها بألا تذهب إلى هذا المكان الموبوء، تناثرت الأخبار عن الفاعل الحقيقى، هل هو الشيخ الشعراوى أم د. مصطفى محمود؟.
نعم يمنحون ضوءًا أخضر، ولكن لنوع محدد من الفن، يرون فيه أنه فقط الحلال، ولا يمكن لهم أن يقتنعوا بأن مقياس الحلال والحرام لا ينطبق على كل شىء فى الدنيا، فلا يمكن لأحد أن يطلق على (الفاكسين) حلالًا أو حرامًا، فهو شأن علمى، الأطباء فقط يدلون فيه بآرائهم.
نعم قال الشيخ لمريده برافو يا رشوان.. ولكنه لم يبح الفن!!
[email protected]
المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).