طارق الشناوي يكتب: المخرج (المفلفل) أحمد يحيى!!
لا أدعى صداقة، وهى تشرفنى، كانت بيننا حالة من الدفء النفسى، بين الحين والآخر كنت أتبادل معه التعليقات عبر الوسائط الاجتماعية.. ابتعد عن الحياة الفنية وأيضا الواقعية.. آخر مرة التقينا قبل نحو أربع سنوات فى عيد ميلاد جورج سيدهم، أقامته الرائعة نادية لطفى بمستشفى المعادى، وأطفأنا الشموع لجورج، لاحظت أن ملامحه رغم الوهن على الوجه والجسد، إلا أن الطفل لا يزال حاضرا، كان غائبا قبلها بسنوات، أحيانا تتغير المعادلات ويجد المبدع أنه خارج الملعب، ولا مرة لاحظت أحمد يحيى يضج بالشكوى، كنت أشعر أنه يعانى قطعًا على كل المستويات، المادية والأدبية، إلا أنه لم يشكُ، ليجسد أمامى تلك الشاطرة الشعرية لكامل الشناوى (نبض عروقه كبرياء).
أخذ أحمد يحيى حظه من الشهرة وهو طفل فى العاشرة، عندما وقع عليه اختيار المخرج الكبير حلمى حليم، مكتشف عبدالحليم حافظ فى (أيامنا الحلوة)، والذى حرص على أن يُكمل معه الطريق فى (حكاية حب). عبدالحليم كان وقتها النجم الجماهيرى الأول، وهو دائمًا بتكوينه الفطرى يسعى للوصول إلى أقصى درجات التلقائية فى الاستوديو، فطلب رؤية الطفل أحمد يحيى فى المنزل، لأنه سيلعب دور شقيقه.
وفى الفيلم جاءت كلمة السر ونفحة الله، إنه الموقف الذى صار الجميع يتذكرونه عندما يشاهدون أحمد يحيى، حكايته مع (الرز المفلفل)، حيث كان عبدالحليم يحاول أن يشرح لأخيه الصغير معنى الحب، فقدم له تلك المقاربة مع (الرز المفلفل) فصارت عنوانه حتى بعد أن تجاوز السبعين.
حكى لى أحمد كيف أنه قرر أن يخرج أول أفلامه (العذاب امرأة)، فلم يتحمس أحد فى البداية للسيناريو، ولأول مرة يقدم لنا المخرج ملمحا مختلفا لنيللى، فى عز نجاحها فى اللون الاستعراضى وتعلق الجمهور المصرى والعربى بها فى الفوازير، استطاع يحيى أن يلتقط ملمحا آخر، الممثلة الموهوبة والقادرة على أداء كل الشخصيات.
كان لا بد من توافر سيناريو، فوقع اختياره على أهم الأساتذة «على الزرقانى»، كاتب (حكاية حب).. حكى لى أن جلسة جمعته مع الزرقانى، الذى حظى بالمركز الأول أفضل كاتب سيناريو فى مصر فى الاستفتاء الذى أقامه مهرجان القاهرة عام 96، وكان (العذاب امرأة) واحدا من أهم الأفلام التى منحته تلك المكانة، فهو واحد من المائة فيلم الأهم فى تاريخ السينما.
قال لى أحمد يحيى إن الأستاذ الزرقانى قبل أن يتعاقد معه، أمسك بالورقة والقلم وقال له: هذا السيناريو سوف يستغرق فى كتابته عاما كاملا، وبدأ يكتب احتياجاته كإنسان من المأكل والمشرب والسجائر والأشياء الأخرى، ثم قال له: أنا ككاتب أستحق كذا بالإضافة إلى مصاريفى الشخصية، ووصل الرقم عام 77 إلى 3 آلاف جنيه، وهو أجر غير مسبوق بمقياس الزمن، أحمد يحيى كان مدركا أهمية السيناريو وأيضا تفرّد موهبة الزرقانى.
أفلام أحمد يحيى ذات نزعة ميلودرامية على مزاج وموجة الناس، مثل (لا تبك يا حبيب العمر)، (كراكون فى الشارع)، (عندما يطير الدخان)، (يا عزيزى كلنا لصوص).. وغيرها.
وغاب أحمد يحيى مثلما غاب أيضا عن حياتنا (الرز المفلفل)، الذى كان هو الطعم المميز لأفلامه!!.
المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).