طارق الشناوي يكتب: أحلى أفلامي.. أردؤها!
سألوا أنتونى كوين: ما هى أحلى أفلامك؟، أجابهم: أردؤها، وعندما قرأ الدهشة على الوجوه أضاف لأننى أتعلم منها الكثير.
الصراحة هى المفتاح السحرى الذى أضعناه، وفى الكثير من شؤون حياتنا، نبدأ بإنكار الخطأ، وهكذا يأتى خط الدفاع الأول لمواجهة المشكلة، مستبعدا أساسا وجود مشكلة.
قبل نحو 20 عاما عندما قدم المخرج شريف عرفه فيلمه الثالث مع علاء ولى الدين (ابن عز)، كان قد سبقه بفيلمين رائعين (عبود ع الحدود) و(الناظر)، والأخير تحديدا أضعه بين قائمة الأفضل فى تاريخنا السينمائى الكوميدى.
كان الترقب لـ(ابن عز) كبيرا فهو سيحقق القفزة الثالثة لعلاء، إلا أن الشريط خيب الآمال، كنا ندرك تفاقم الصراعات المتعلقة بإنتاج وتوزيع الفيلم، وانتقلت المعركة للإعلام أيضا، وكانت الحجة جاهزة، الفيلم يُضرب من خارجه وكلنا شهود، إلا أن شريف عرفه حسم الأمر مبكرا عندما أعلن أنه يتحمل بمفرده مسؤوليته كمخرج عن الهزيمة.
أتذكر فى مطلع الثمانينيات وداخل مهرجان الإسكندرية السينمائى، كان موعدنا مع ندوة فيلم (العربجى)، تأليف وحيد حامد وإخراج أحمد فؤاد، الفيلم بعيد تماما عما ألفناه مع وحيد، قرأ وحيد فى العيون الغضب والاستهجان، وقبل أن يبدأ المؤتمر أدار دفة الحوار إلى الوجه الآخر للحكاية، ونظر إلى المائدة التى نجلس عليها متفحصا الوجوه، يبحث عن مسؤول المهرجان الذى اختار الفيلم للعرض الرسمى، قال وحيد: المشكلة ليست أن يقدم الفنان أيًّا كان موقعه فيلما رديئا، وهذا وارد جدا، الخطأ هو كيف يتسلل هذا الفيلم أو غيره للمهرجان، حاسبوا المسؤول الذى اختاره. ولم يلق أبدا باللائمة على أحد غيره،لا مخرج ولا ممثل ولكن تساءل: كيف يمثل السينما المصرية، فيلم بهذا المستوى؟.
فى مطلع الأربعينيات قررت أم كلثوم أن تثبت لنفسها، أن النجاح يساوى صوت أم كلثوم، وكانت وقتها تغنى من تلحين أساطين النغم الشيخ زكريا أحمد ومحمد القصبجى ورياض السنباطى، هذه المرة أخذت كلمات أحمد رامى وعهدت بها للملحن اللبنانى الشاب فريد غصن، فى أول وآخر محاولة غنائية، له مع أم كلثوم باسم (وقفت أودع حبيبى)، وبعد الحفل رفضت تسجيله على أسطوانة.
استفادت أم كلثوم من الهزيمة وتأكد لها أن صوتها لا يكفى، يجب أن يتكئ على أنغام وأرتام لها قدرة على التعبير، وأن الفيصل فى اختيارها للملحن، هو قدرته على التجدد، وكان فريد غصن أصغر من العمالقة الثلاثة، إلا أنه لم يمنحها شيئا خاصا، فهو يحاكى من سبقوه، وبعد عشرين عاما لم تنس التجربة، عندما غنت من تلحين بليغ حمدى (حب إيه) وهو دون الثلاثين من عمره، وبكلمات الشاعر عبد الوهاب محمد الذى كان فى نفس المرحلة العمرية، انتقلت أم كلثوم بـ ( حب إيه) إلى منطقة إبداعية مغايرة، بينما فريد غصن ظل طوال عمره حانقا على أم كلثوم مرددا أنها اغتالت عامدة متعمدة لحنه العبقرى، ولم يردد له الشارع العربى من بعدها له أى لحن.
الفشل لو استوعبناه من الممكن أن يصبح بداية طريق النجاح، إلا أن هناك من يبدد طاقته فى مواجهة طواحين الهواء، معتقدا أن هناك مؤامرة كونية يتعرض لها، وكلما ازداد فشله زادت قناعته بأن الكون كله لا هم له سوى اغتيال عبقريته الفذة!!.
المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).