عِقدٌ من الاعتكاف.. عُمْرٌ من الفنَّ
وداعًا العُمْدَة سليمان غانم وداعًا حسن أرابيسك.. ورَحلَ صلاح السعدني "بروفايل"
حالة فنية نادرة، يراه النقاد أنَّه ليس فقط فنانًأ كبيرًا، بل يعدُّ أهم عناوين الدراما التلفزيونية المهمة في العالم العربي كله، فنجوميته التليفزيونية، منذ الثمانينات، كانت نتاج ارتبطه بالدراما، حيث بدأ في ستينات القرن الماضي، الذي كان نجوم الشااشة الصغيرة لهم وزن وقيمة غير عادية. قهذا أيضًا ما جعله علامة لا تفارق نفوس جماهيره ومحبيه، لا سيما ووقد كان واحدًا من روَّاد شاشة الأسرة المصرية، التي كانت لا تخشى على مشاركة أطفالها أو تعرُّضهم لها يومًا ما، هذا هو الرَّاحل صباح اليوم الجمعة 19 إبريل 2024، عن دنيانا الفنًّان الكبير "صلاح السعدني".
من ينسى العمدة سليمان غانم وحسن أرابيسك؟
من ينسى عام 1987، الذي أدَّى فيه "السعدني" دور العمدة سليمان غانم، خلال مسلسل "ليالي الحلمية"، تلك الشخصية التي صوَّرت عمدة قرية ميت أبو غانم الذي توجّه للقاهرة للأخذ بثأر والده من عائلة البدري ثم استقر وتزوج نازك لفترة ثم عاش في القاهرة ودخل عالم الأعمال مع مرحلة الانفتاح الاقتصادي. نازك هانم السلحدار: الهانم زوجة سليم البدري الأولى "يحيى الفخراني"؛ لتدور حالة من الصراع الدرامي الممتزج ببعض الكوميدي بين البطلين في إطار لا تنضب العداوة فيه. ثم من ينسى حسن أرابيسك، بطل مسلسل "أرابيسك"، حيث تمّ بثه لأول مرَّة في 11 فبراير 1994، والذي أمتع مشاهديه بشخصية غير الأول التي تحدَّثنا عنها، فكانت لشخصية فنان الأرابيسك المصري الذي تعرض لبعض الأحداث جعلته يضل عن طريقه، فأهمل عمله وورشته إلَّا أنه ذات الوقت لم يزل محافظًا على فنِّه الذي ورث مهارته من أجداده؛ ليخرج من متاهته إلى صلاح حاله.
"هتوحشنا يا خال"
كان الفنَّأن أحمد السقَّا كتب عبارة "هتوحشنا يا خال"، نعيًا لرحيل الفنان صلاح السعدني، الذي امتلأ تراثه الفنِّيِّ بعدد غزير شمل أعمالًا فنية درامية وسنيمائية، والَّتي كانت آخرها "القاصرات" عام 2013، والتي أدَّى فيها شخصية "عبد القوي الأدهم النجعاوي"، الرجل الرِّيفي كبير البلد الذي جاوز الستين من العمر، ولكنَّه هام بزواج القاصرات من البنات تحت السن القانونية للزواج، مستغلَّانفوذه وثروته وشدة حاجة أهاليهِنْ الماديَّة، مستجيبًا لميلوله غير المتزنة نحو هذه السن الصغيرة؛ ليطلقهُن بعد فترة، مستبدلًا الواحدة تلو الأخرى، ليسطر الفنَّان صلاح السعدني ختام مشواره السنيمائي، قببل اعتزاله الفنَّ لفترة تخطت 10 أعوام كاملة.
العمدة بيصبَّح.. آخر ظهور للسعدني
طوال العشرة أعوام، احتفظ صلاح السعدني بهدوءه، وظلَّ في حالة من اعتكاف، بعيدًا عن الكاميرات والعدسات الجماهيرية، حتَّى قام نجله الفنان أحمد السعدني، منذ فترة، بنشر صورة تجمعه مع والده، وعلق عليها: "العمدة بيصبح". لم يكن هذا الاعتكاف بمنأي عن مشوار "السعدني" طوال حياته الفنّية، فحسبما قال الناقد الفني طارق الشناوي - في تصريحات صحفية - إنَّ صلاح له مواقف على المستوى السياسي فهو دائما مع الحق والعدالة ودفع ثمن ذلك لأنه كان رأيه معاكس لرأي الدولة وذلك بأيام الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، كذلك الرئيس السادات الذي غضب من أخيه الكبير محمود السعدني؛ لتأتي التعليمات بعدها بإبعاد صلاح السعدني من أي عمل درامي.
رصيد متنوع وأداء متمايز
رصيد الراحل دراميًا، لم يكن مجرَّد عددًا يتم ضمه في دفاتر الذكريات، بل كانت علامات فارقة، على مرِّ تاريخه التليفزيوني شملت: أهل الدنيا، أوراق مصرية، الأصدقاء، الإخوة أعداء، الباطنية، الزوجة أول من يعلم، الضحية، القاصرات، الناس في كفر عسكر، النوة، بين القصرين، حارة الزعفراني، حلم الجنوبي، رجل في زمن العولمة، للثروة حسابات أخرى، وغيرها الكثير، والتي كانت بصمات مختلفة وأداءات متمايزة، وحالات منفردة بشخصية لا تتكرر.
أمَّا في السنيما، فعلى نهج "لنا في الجبال علامات" شارك السعدني في عدة أفلام من الوزن الثقيل والعيار الممتاز، لا سيما الأرض، الرصاصة لا تزال في جيبي، أغنية على الممر، الأشقياء، المراكبي، اليوم السادس، وغيرها الأعمال الفنية الثرية، مع عمالقة السنيما من المخرجين والأبطال.
هكذا رصيد ممتلئ، وعلامات وبصمات متنوعة، وأداءات متمايزة وباقية في دفتر الذكريات، وجسدٌ راحل في وسيع رحمة الله، ورحل صلاح السعدني.